عقد بالغرفة التجارية بجدة ملتقى التخصصات العلمية والعملية الثاني لعام 2014 والذي تميز بحضوره النوعي وأصاب نجاحاً عملياً والنجاح العملي أكثر ما يهم القراء ،فأذكر منه طرح شركة بن زقر لألف وخمسمائة وظيفة لأبناء الوطن، وهو واجب تؤديه لمجتمعها وللاقتصاد الوطني.
ولقد تداول الحضور بحيوية تلقائية حول موضوع الملتقى وسئلت وزملائي بغرفة جدة عن القطاع الخاص وعن إسهامه الاقتصادي ولاحظت على نبرة الأسئلة موقف عدائي من القطاع الخاص وتبدى في نمطية انطباعية تصور القطاع الخاص وكأنه حجر أصم يعمل ككتلة واحدة يطبع أداءها الجشع والطمع ورفع الأسعار وهي صورة لا تناسب ثقافة الاقتصاد الحر وأخلاق السوق لأنها فضلاً عن أنها غير واقعية تمعن في تصوير التاجر كاريكاتورياً بجسم يميل للضخامة يقف أمامه عميل متهالك وواهن ولسان حال التاجر يقول سأبتلع إيراداتك لأزداد ثراء على حسابك، صورة موغلة في العداء وتنتمي لثقافة الاقتصاد الاحتكاري التي لا تشبه اقتصاد المملكة الذي كان وما زال وسيظل صاحب سجل ناصع في تشجيع المبادرات الفردية باعتبارها جزءاً من اقتصاد وطني يتكون من قطاعات تسيرها سياسات رسمية تدفع للتكامل لتحقيق رؤية اقتصادية وطنية مشتركة تصب في مصلحة مختلف القطاعات ولصالح الوطن واقتصاده وإنسانه.
من التداول تبين أن القطاع الخاص السعودي ظل ركناً أساسياً من أركان الاقتصاد الوطني.
وظل يخدم ثلاثة أضلاع أولها الموظف الذي يعمل مع المنشأة فالمواطن المستثمر في المنشأة ثم الزبون الذي ينتفع من المنتج ويستمتع به ومن يتأمل في الأضلاع الثلاثة سيجد أنها مجموعة مواطنين سعوديين فكيف يتحولون لعدو بينما واقع الأمر يشير لتبادل مصالح وانتفاع بالمنتجات والخدمات فيما بينهم.
من يدرك هذه المعادلة سيمتنع عن تعميم الأحكام أو وضع القطاع الخاص في صورة نمطية تفترض معاداته لمصالح الناس والاقتصاد الوطني لأنه خادم لمصالحهم. الفهم الصحيح يستدعي تصحيح الصورة الكاريكاتورية عن القطاع الخاص ودوره لأنه في المحصلة ثروة وطنية تمثل ممتلكات أفراد عاملين ومستثمرين داخل الاقتصاد الوطني وإضعاف هذا القطاع يعني تفتيت عضد اقتصادنا الوطني باعتباره يعكس قوة قطاعاتنا الاقتصادية مجتمعة.
وعلى كل كان ملتقى التخصصات مناسبة لتأكيد تلك الصلة القوية بين القطاع وأبناء الوطن.
مع ذلك هناك من لا يزال يفترض وجود عداء كامن بين القطاعين العام والخاص وتصوير الأمر وكأن كلاً منهما يتربص بالآخر لاصطياد أخطائه، وهذا استنتاج ليس له موقع من الإعراب إن لم يكن موغلاً في الخيال لأن القطاع العام بطبيعته يرعى الأهداف العامة بلا استثناء ومنها تنمية القطاع الخاص ويأخذ بيد الجميع ليتحقق النمو وزيادة الناتج المحلي الإجمالي، ولهذا تأثير القطاع العام في القطاعات الاقتصادية ليس عداء، ولذلك هناك التباس يتولد من أن القطاع العام يحتكر إصدار العملة الوطنية وهذا يحمله مسئوليات اقتصادية كالحد من معدل البطالة والتحكم في السيولة والتضخم والإنفاق العام على البنية التحتية والطاقة وأسعارها وتكلفة مدخلات التصنيع، ولهذا حين يحاول تحقيق التوازن بسن تشريعات مالية وسياسات تنموية أو يحدّث آلياتها وأسعار الفائدة فيها فإن ردود الفعل لا تستوعب المقاصد ولا تنفذ لرؤية دعمها للمواطن والوطن والقطاع الخاص ،بينما ينصب اهتمام القطاع العام لرفع معدل التوظيف ولو بإصدار تشريعات تحد من سياسات الاستقدام أو الموازنة بين استيعاب الأيدي العاملة الوطنية وحاجة السوق لمهارات نادرة من الخارج ،لأننا نعلم أن أي خلل يحدث في أي جزء من المعادلة الاقتصادية سينعكس سلباً على معدل البطالة.
سوء الفهم الذي يحدث يدفع لاستنتاج يتهم القطاع الخاص بالتسبب في البطالة ولكن من يستنتج ذلك لا يسأل عن المسئول عن العلاج وما إذا كانت الأنظمة يطبقها القطاع العام أم القطاع الخاص؟ في ملتقى التخصصات أكد القطاع الخاص بأنه جزء لا يتجزأ من القطاعات الاقتصادية ولكن لابد من فهم صحيح يستوعب تكامله مع القطاع العام لتحقيق أهداف اقتصادية عامة.
وكون القطاع العام صاحب سيطرة شاملة على سياسات القطاع الخاص وعلى السياسات الاقتصادية الوطنية الكلية، فإنه تلقائيا يدير السجون والكلبشات وأوامر تفعيل أنظمتها ويستطيع تفعيل هذه الأنظمة للمساعدة على القضاء على التستر والغش التجاري وعلى العمالة السائبة التي تقبل العمل بأي أجر ..ومتى فعلت الأنظمة ستنعكس وظائف تسع كل فرد ليعمل فيما هو ميسر له وتظل الحقيقة أن ليس للقطاع الخاص هذه الصلاحية وبالتالي ليس ثمة مبارزة أو عداء ظاهر أو كامن بين القطاعين الخاص والعام.
نقلا عن المدينة
هناك مسئولين حكوميين كثر يلهثون خلف الشهرة الشعبية، حتى لو على حساب الوطن!!!!!