بينما تتنافس معظم الدول العربية على جلد الذات، والاستسلام لنظرية المؤامرات وإحباط جهود حكوماتها بالثورات، تتنافس السعودية مع دول العالم الأول على تنمية البشر قبل الحجر، وتغليب العلم والمعرفة على التلقين والتقليد، وتوطين الفكر والبحث والإتقان قبل نقل التقنية.
طبقاً لمعايير البنك الدولي، يحتوي مؤشر المعرفة على أربعة عناصر تتجسد في الحوافز الاقتصادية، والنظام المؤسّساتي، والابتكار في التعليم والتدريب، والبنية التحتية لتقنية المعلومات وخدمات الاتصالات.
من أصل 146 دولة في التصنيف الدولي للمعرفة، قفزت السعودية خلال العقد الماضي 26 مرتبة لتتربع على المركز الـ50 بين دول العالم قاطبةً وتصبح أكثرها تقدماً في الاستثمار المعرفي.
كما تزامنت هذه المعايير مع تصنيف الأمم المتحدة لجاهزية الحكومة الإلكترونية بين دول المعمورة في العام الماضي، الذي حدّد استخدام المعرفة كأداة لوصول المعلومات وتقديم الخدمات الحكومية إلى الجمهور، وجاءت السعودية أيضاً في المراكز المتقدمة لهذه الجاهزية.
في ظل العولمة الاقتصادية، تسعى المملكة اليوم إلى تطوير قدراتها التنافسية بين الدول لتوطين المعرفة ودمجها بالأنشطة الاقتصادية.
ففي حين كانت العوامل الثلاثة الأساسية للإنتاج في الاقتصاد القديم تعتمد على الأرض والعمالة ورأس المال، أصبحت الأصول المهمة في الاقتصاد الحديث تستند على أربعة عناصر تشمل التعليم والابتكار والبنية التحتية للاتصالات وتقنية المعلومات والأطر القانونية للنظام المؤسساتي.
وأكدت منظمة الأمم المتحدة في تقريرها السنوي الأخير أن اقتصاديات المعرفة تستأثر اليوم بنسبة 7% من الناتج الإجمالي العالمي وتنمو بمعدل 10% سنوياً.
وأوضح التقرير أن 50% من نمو الإنتاجية في دول الاتحاد الأوروبي تأتي نتيجة مباشرة لإبداعها في إنتاج تقنية المعلومات واستخدام خدمات الاتصالات.
خلال العقد الماضي اكتسبت الشعوب الذكية موقعاً مميزاً في صدارة الاقتصاد المعرفي، واستطاعت أن تغزو العالم بتجارتها الخارجية لتصول وتجول عبر الحدود من خلال عولمة تقنية المعلومات وتشييد خدمات الاتصالات.
لذا أصبحت الفجوة المعرفية العميقة بين الدول المتقدمة والعالم الثالث لا تقل عمقاً عن المطبات المؤلمة التي تقع فيها الدول الضعيفة نتيجة إخفاقها في تنويع مصادر دخلها وابتعادها عن تحقيق أهدافها.
ففي السنوات الأخيرة تضاعف حجم التعاملات الإلكترونية في العالم من 4 تريليونات دولار في 2003 إلى 17 تريليون دولار في نهاية 2013، ليعادل قيمة الناتج المحلي الإجمالي لأميركا و4 أضعاف التجارة العالمية في قطاعي السلع والخدمات و12 ضعف الناتج المحلي الإجمالي للدول العربية.
من الإجمالي العالمي لحجم التعاملات الإلكترونية، تم تحقيق 80% من الصفقات في الولايات المتحدة و15% في أوروبا و4% في اليابان و1% في بقية دول العالم.
وتستحوذ مؤسسات الأعمال على 80% من حجم التجارة الإلكترونية في العالم، لتنمو بشكل متسارع، فاقت خلال العقد الماضي نسبة 600% في منطقة آسيا و520% في جنوب أميركا و340% في أوروبا و170% في جنوب شرق آسيا و80% في دول الشرق الأوسط.
وخلال العقد الماضي ارتفعت نسبة التعليم الجامعي إلى 95% في كوريا الجنوبية و90% في اليابان و82% في أميركا و70% في أوروبا، بينما انخفضت هذه النسبة إلى 31% في الشرق الأوسط و26% في العالم العربي و6% في أفريقيا.
كما ازداد العدد الكلي للباحثين في العالم من 6 إلى 11 مليون باحث خلال العقد الماضي، لتحقق الدول المتقدمة نسبة 62% من هذه الزيادة. ومن الإجمالي العالمي وصلت نسبة الباحثين إلى 37% في آسيا و30% في أوروبا و25% في أميركا.
السعودية استطاعت أن تتخطى حاجز هذا التفاوت الشديد بين الدول، فقامت بمراجعة أولوياتها ورفعت مستويات التعليم بين أجيالها ودعمتها بأصول البحث والابتكار لتلحق بركب الاقتصاد المعرفي.
في الآونة الأخيرة أثبتت المملكة أن التعليم وليس التلقين هو الذي يثري تبادل المعرفة، والبحث وليس الحفظ هو الذي يسهم في طرح الأفكار الجديدة، والابتكار وليس التقليد هو الذي يصنع البنية الوطنية.
لذا تنامت القوى الدافعة لمجتمع سعودي معرفي في ظل قدراتنا التنافسية الإقليمية من خلال التركيز على ثلاثة أهداف محددة، أولها كان موجهاً لبناء قدرات الإنسان والاستثمار في التعليم والمعرفة، وثانيها اعتمد على توطين تقنية المعلومات وتخفيض تكاليف الاتصالات ونشر شبكات الحاسبات وربط الإنترنت لمواكبة المتغيرات التقنية المتسارعة وإثراء الفكر والبحث والمعرفة.
أما الهدف الثالث فلقد تركز على إدارة دفة العولمة لصالحنا، لنحقق المرتبة الـ8 في استقطاب الاستثمار الأجنبي والمركز الـ 11 في التنافسية العالمية والمرتبة الـ 16 في الصادرات بين دول المعمورة.
ولدعم مسيرة البحث العلمي أنشأت المملكة 22 مركزاً للتميز البحثي في الجامعات السعودية بميزانية فاقت 600 مليون ريال، وأطلقت برامج تقنية النانو في 3 جامعات رئيسة، بتبرع سخي من الملك عبدالله بن عبد العزيز بمبلغ 63 مليون ريال.
وفي ميزانية العام الجاري قامت المملكة بدعم البحث العلمي بنسبة 1.07% من الناتج المحلي الإجمالي، لتشكل نسبة الإنفاق الحكومي على البحوث 70%، فيما بلغت نسبة انفاق القطاع الخاص 30%.
كما تم تأسيس الحدائق العلمية وحاضنات التقنية للمساهمة في توطين تقنية المعلومات ودعم مسيرة كراسي البحث العلمي، التي فاق عددها 244 كرسيا بحثيا، مما حقق نمواً في نشر الأبحاث العلمية بنسبة 217% خلال العقد الماضي وتزامن بإصدار أكثر من 5000 ورقة بحثية في العام الماضي.
هذه هي مسيرة المملكة على طريق المعرفة.
نقلا عن جريدة الوطن