خلال اجتماعهم في بريطانيا الأسبوع الماضي، اعترفت مجموعة الدول الغنية السبعة بنجاحات الصين في مختلف المجالات، وأبدوا تخوفهم من سطوة التنين الشيوعي على الاقتصاد العالمي ما حذا بدول المجموعة إلى وضع استراتيجية لإرساء قواعد نظام عالمي جديد لتحييد الصين.
في هذا الاجتماع أيقنت المجموعة أن مستقبل الاقتصاد العالمي سيكون مرهونا بأربعة تحالفات استراتيجية كبرى، أعظمها سيكون بقيادة الصين في تكتل "آسيان"، التي ستصعد للمرتبة الأولى كأكبر شراكة اقتصادية بناتج إجمالي يفوق 41 تريليون دولار، متفوقة بذلك على الاتحاد الأوروبي، الذي سيحتل المرتبة الثانية بناتج إجمالي يساوي 38 تريليون دولار، تليها دول شمال أمريكا لتحتل المرتبة الثالثة بناتج إجمالي يعادل 36 تريليون دولار، وتأتي مجموعة "بريكس" المكونة من خمس دول بزعامة روسيا لتحتل المرتبة الرابعة بناتج إجمالي يزيد على 28 مليار دولار.
ولاحظت مجموعة السبعة أن الدول الرأسمالية، التي تتزعمها، أصبحت اليوم تئن تحت وطأة التنافسية، التي صاغوا أحكامها، لتحتل الصين الشيوعية مكانة الصدارة في التجارة العالمية، وتزيح المارد الأمريكي والعملاق الأوروبي عن عرش العولمة.
منذ نشأتها عام 1976 كانت دول المجموعة مقتنعة بأن الصين لا يمكن أن تكون منافسة لها في ظل عدم تطبيق التنين الشيوعي لأحكام الاقتصاد الحر، لتفاجأ المجموعة اليوم أن وارداتها من الصادرات الصينية ارتفعت خلال الأعوام الخمسة الماضية بمعدل تراكمي وصل إلى 383 في المائة، وأصبح الميزان التجاري بين أمريكا والصين يميل لمصلحة الصين بقيمة تفوق 600 مليار دولار سنويا. وهذا ما دفع أمريكا لفرض رسوم جمركية على وارداتها من الصين تصل في المتوسط إلى 45 في المائة، لتتسبب هذه الخطوة في ضعف نمو التجارة العالمية بمعدل 2.8 في المائة عام 2019، ليجعله العام الخامس على التوالي الذي يحقق فيه هذا النمو نسبة أقل من 3 في المائة وفقا لآخر تقرير صادر عن منظمة التجارة العالمية.
على عكس أمريكا وأوروبا، استغلت الصين فتح الأسواق العالمية أمام صادراتها، لتحقق مع حلفائها مزيدا من النجاحات على حساب الدول الرأسمالية، وفازت بالمراتب المتقدمة على كل الدول في نادي الأغنياء. خلال العقد الماضي حاز الوفد الصيني في منظمة التجارة العالمية أفضل نسبة مشاركة بين 164 دولة في اجتماعات المنظمة، حيث شارك في 6450 اجتماعا تفاوضيا، وناقش 65000 ورقة رسمية، وقدم 312 إشعارا، إلى جانب طرح 27 مبادرة اقتصادية جديدة، ليصبح الوفد الصيني مثالا يحتذى به في أروقة المنظمة.
وعلى عكس توقعات الدول الرأسمالية، نجحت الصين في تخفيض نسبة الفقر في صفوف مجتمعاتها من 73 إلى 32 في المائة، وحققت الاستثمارات المباشرة المتدفقة لأسواقها أعلى النسب في العالم، لتسهم في إيجاد 100 مليون وظيفة عمل جديدة و100 مليون وظيفة أخرى جاهزة لاستقطاب خريجي الجامعات الصينية في العقد المقبل. وبناء عليه حصل القطاع الصيني الخاص على 66 في المائة من الوظائف الجديدة المستحدثة، ليسيطر على 70 في المائة من الاقتصاد المحلي، و60 في المائة من نمو الناتج الإجمالي.
ولم تتأخر الصين في إعادة هيكلة قطاعها الصناعي الذي تسيطر عليه الدولة، فأعادت تأهيل 50 مليون عامل وموظف، ووفرت السكن بأسعار متدنية لكل عمال وموظفي القطاع الخاص ومنحتهم فرصة الاستثمار في مؤسساتها التجارية الحكومية، ما أدى إلى تعزيز مستوى الطبقة الوسطى في المجتمع الصيني.
قبل 30 عاما، كانت نسبة دخل الفرد الواحد من الناتج الصيني الإجمالي لا تزيد على 500 دولار، وكان 30 في المائة من سكان الصين يعانون الفقر والجوع والمرض. واليوم فاق دخل الفرد 3000 دولار، ليعيش 97 في المائة من أفراد المجتمع في حال أفضل من أقرانهم في بعض الدول الرأسمالية.
وخلال العقد الماضي حقق الاقتصاد الصيني نتائج باهرة، خاصة في معدلات النمو الحقيقي، لتحتفل اليوم بجذب 35 في المائة من الاستثمارات الأجنبية في العالم لإنشاء 400 شركة عالمية، تصنف ضمن أكبر 500 شركة في العالم مع امتلاك أكثر من 390 ألف شركة صينية تعمل في 170 دولة حول العالم. وأصبحت الصين تمتلك ثاني أكبر احتياطي نقدي بالدولار، وصل في العام الجاري إلى أكثر من ثلاثة تريليونات دولار، كما أصبحت الصين أكبر منتج للفحم والحديد والأسمنت في العالم، وثاني أكبر مستهلك للطاقة، وثالث أكبر مستورد للنفط.
ورغم جائحة كورونا توقعت وكالة "بلومبيرج" في تقرير لها الشهر الماضي، أن ينمو الاقتصاد الصيني بمعدل 5.5 في المائة عن الفترة نفسها من العام الماضي، ليستعيد معظم المكاسب التي خسرها جراء الانكماش القياسي في الأشهر الثلاثة الأولى من العام الجاري.
نجاح الصين في ميدان العولمة وتحقيق أهدافها في اكتساح أسواق الدول الغنية لم يأت محض مصادفة أو من خلال طفرة واعدة، بل جاء نتيجة حتمية لمهارة الصين في تحديد أهدافها التنموية، وتسخير مزاياها التنافسية، وإحكام قبضتها على دفة العولمة من خلال مشاركتها الفعالة في محافلها الدولية للاستفادة من أحكامها وتحييد عشوائياتها.
نقلا عن الاقتصادية