لم تنقطع الاتصالات بي خلال الأسبوع الماضية ، وكان الكل يسأل عما جرى في بورصة قطر هذه الأيام؟ ولماذا يقفز المؤشر قرابة 500 نقطة كل أسبوع؟ وكيف أصبح حجم التداول قرابة المليارين؟ وهل سيستمر الحال على هذا النحو أسابيع أخرى، وما هي الأسهم التي يمكن اللحاق بها قبل فوات الأوان، وهل لا زالت أسعار بعض الأسهم آمنة رغم ما حققته من ارتفاعات قياسية هذا العام أم أنها دخلت مرحلة الخطر؟ هذه عينة من الأسئلة التي وصلتني تباعا خلال الأيام الماضية.
وأعترف مقدماً أن معطيات البورصة قد تغيرت بشكل كامل، وأن ما كنت أعول عليه كمحلل مالي في السنوات السابقة قد تغير بشكل لم يتوقعه أحد... ورغم أنني كنت إلى عهد قريب أتوقع أن يصل المؤشر العام إلى 14 ألف نقطة، إلا أنني لم أكن أتخيل أن يحدث ذلك في النصف الأول من العام،، بل يحدث في وقت لاحق من الربع الثالث أو الرابع، وكانت هذه التوقعات مبنية على معطيات البورصة وأداء الشركات في الأعوام الثلاثة السابقة أي في الفترة 2011-2013.
وقد كنت في عام 2013 وحتى وقت قصير أفسر ما يجري في البورصة من ارتفاعات بجملة من المتغيرات التي طرأت على الساحة ومنها: التغيرات التي صاحبت العهد الجديد في قطر، والإهتمام الملحوظ بالقضايا الداخلية، ونجاح بورصة قطر في الحصول على موافقة مورجان ستانلي على ترفيعها إلى بورصة ناشئة من مبتدئة، وزوال القلق السياسي من التوتر العالمي مع إيران وانعكاساته، وخروج الاقتصاد العالمي من حالة التباطؤ الاقتصادى وظهور بوادر على اقتراب الانتعاش، ووجود مزود سيولة.
واعترف أن هذه العوامل في مجملها لم تعد كافية اليوم لتبرير ما يحدث في البورصة في الأسابيع الأخيرة، فرحت أبحث وأنقب عن الأسباب الكامنة وراء ما يحدث الآن.. ووجدت الإجابة في تقارير التداول اليومية للبورصة.....فمن واقع تلك التقارير تبين أن إجمالي تداولات الأفراد القطريين يوم 21 أبريل من عام 2013 أي قبل سنة كانت في حدود 30 مليون ريال للشراء و 46 مليون ريال للبيع، وتحسنت الأرقام يوم 22 إبريل من نفس السنة لتصل إلى 79 مليون ريال شراء و 80 مليون ريال بيع.
وفي ظل هذه المعطيات كان المؤشر العام يتذبذب دون مستوى 8450 نقطة والرسملة مستقرة حول 465 مليار ريال، وحجم التداول ما بين 86 مليون ريال إلى 182 مليون ريال في اليومين المذكورين. ولكن سبحان مغير الأحول، فإن تداولات الأفراد القطريين قد تضاعفت مرات عديدة في غضون عام واحد لتصل يوم 21 إبريل 2014 إلى1927 مليون ريال نصفها أو أكثر للشراء ونصفها الثاني للبيع. وتكرر الأمر تقريبا يوم 22 أبريل. وقد اقترب المؤشر العام من 13 ألف نقطة، ووصلت الرسملة إلى 770 مليار ريال، وقفزت أحجام التداول إلى 1,8مليار ريال.
هذا التحول في بيانات الأفراد القطريين قد صنعه حدث مهم هو اكتتاب مسيعيد وإدراج أسهمها في البورصة في ظل مكرمة أميرية مميزة.
فالمعروف أن الاكتتاب قد شارك فيه عدد كبير من القطريين يصل إلى نحو 190 ألف، وكان الكثير منهم قد هجر التعامل في البورصة منذ سنوات، ولكنهم عادوا إليها بالاكتتاب الذي حمل معه أرباحاً سريعة وكبيرة. وقد تزامنت العودة مع رواج الأداء في البورصة وحدوث ارتفاعات ملحوظة لكافة المجاميع مما دفعهم إلى البقاء بأرباحهم في السوق، وأضافوا إليها أموالاً أخرى من البنوك أملاً في تحقيق المزيد من الأرباح.
وإذاً.... هذا هو السر وراء الارتفاع الكبير في المؤشرات وأسعار الأسهم،،،، وهو قد تحقق ببركة اكتتاب مسيعيد الذي لولاه لظلت البورصة بانتظار ما سيأتي به الأجانب من أموال عندما يتم الترفيع إلى سوق ناشئة.
ولم يكن هذا الحدث الأخير ليتم بهذه السهولة، لسبب بسيط وهو أن المستثمرين الأجانب يعولون كثيراً على أساسيات السوق ومكررات الربح لأسهم الشركات، ومن ثم فإنهم يترددون في شراء أسهم شركات ترتفع بدون مبرر، وحتى لو استثمروا فيها فإنهم سيسارعون إلى البيع وجني الأرباح عند أي ارتفاعات معقولة.
ولذلك فإن ما يجب التعويل عليه لاستمرار الزخم الحالي هو بقاء القطريين في حالة نشاط في البورصة،،، والعمل بجد واجتهاد من جانب أجهزة الدولة ومؤسساتها المعنية على تنظيم المزيد من الاكتتابات، وأن لا تعود الأوضاع ثانية إلى مرحلة الجمود التي مرت بها البورصة في السنوات السابقة.
وفيما يتعلق بالإجابة على بقية الأسئلة المطروحة في بداية المقال، فإنني أرى بوجه عام أن الارتفاعات ستتوالى لبعض الوقت على الأسهم ذات القيمة الصغيرة عدديا لرفعها، وهذا سيخلق معطيات جديدة تدفع باتجاه حدوث ارتفاعات قادمة لأسعار الأسهم الثقيلة التي توقفت حاليا كصناعات ووقود، والأسهم المتوسطة كالبنوك، وهو ما سيرفع المؤشرات إلى مستويات قياسية جديدة لم تبلغها من قبل.
وقد تحدث بين الحين والآخر عمليات تصحيح على المؤشر وعلى بعض أسعار الأسهم نتيجة عمليات جني الأرباح.
ويظل ما كتبت راي شخصي يحتمل الصواب والخطأ والله جل جلاله أعلم.