احتضن مؤتمر جدة الاقتصادي هذا العام علماء أجلاء من أبرزهم البروفيسور «اكسيبير سالا مارتين» من جامعة كولومبيا بالولايات المتحدة الأمريكية، وهو متحدِّث بليغ ومُفوّه، ويثير الأسئلة لدى المتلقي لأنه صاحب رؤى اقتصادية أهّلته ليكون من الشخصيات الاقتصادية ذات الصيت، وهو صاحب حضور دائم في المنتديات الاقتصادية العالمية، من منتدى جدة الاقتصادي إلى دافوس إلى المنتدى الاقتصادي العالمي، وقد أثار بحديثه وأفكاره الاقتصادية الجديدة الانتباه، فقد طرح في منتدى جدة الاقتصادي لعام 2014 ما أشارت إليه الدراسات التي أكدت أن الوظائف والثراء يأتيان من انتقال الشركات الصغيرة لتصبح متوسطة، وهذا بعد جديد لأن الفكرة السائدة كانت أن المنشآت الصغيرة هي التي توفر الوظائف وخاصة عند تأسيسها، ولهذا ركزت معظم الدول على دعم المبادرات الشبابية ولكن رؤيته حول نقل المنشآت الصغيرة إلى أن تصير متوسطة تعتبر آلية انتقال قابلة للتطبيق خاصة حين أشار إلى أن ذلك يتم برعاية الإبداع في المنشآت الصغيرة، ولكي يضيء فكرته أورد سلسلة من الأسئلة كشفت مواطن ضعف أساسية في دعم نمو المنشآت الصغيرة لتصبح متوسطة أو عملاقة، من حيث رعاية الإبداع بصورة مؤسسية وتساءل عن هل مكتشف الفيس بوك «مارك زوكبيرج» كان سعوديًّا؟، هل متوقعًا أن يجد رعاية لموهبته وتمويل اكتشافه؟ وهل كان يمكن أن تجد فكرته مجالاً للتطبيق؟ هل البيروقراطية السائدة ستساعده أو تتبنّى تطبيقاته؟ هل ردة الفعل ستكون مرحبة باكتشافه؟ وترك الأسئلة معلقة للتأمل واستنتاج الإجابات.
ثم أثار أسئلة أخرى بشأن العلامة التجارية (زارا) المعروفة عالميًّا بتصميم الملابس، وسأل عن وجود محلات العرض بالمملكة؟ وهل يمكن تشجيع الإنتاج ليتم التصدير لأنحاء العالم؟ وهل توجد في الاقتصاد المحلي ثقافة محلية وبيئة اقتصادية وقانونية تحفز هذا النوع من الإنتاج؟ وهل يوجد بالمملكة مزاج عام داعم لهذا النوع من الإبداع واحتضانه؟ وهل في المملكة قبول شعبي لمهنة تصميم الأزياء؟ ثم سأل سؤالاً محوريًّا: ما الذي يقود الناس للإبداع والتفكير في إنتاج سلعة يحتاجها المجتمع المحلي؟ وهو سؤال قاده لتناول التعليم.
ومن أسئلة التعليم هل يحفز الإبداع أم يميل للحفظ والتلقين؟ وهل تعليم التلقين والحفظ يقوض الإبداع ويخنقه أم يحفزه ويدفعه لآفاق واسعة، كما يحدث في أنحاء العالم؟ ومضى في أسئلة الإبداع وتنميته وربط ذلك بالفنون كإبداع، ورأى أن الفن من الضروب التي تنمي الإبداع، فالرسم نوع من التعبير عن الإبداع، وعن ملكته لدى الطفل، أو الشاب، أو الشابة وفي زماننا صار التعليم له مداخل معرفية متعددة، فالإنترنت لها وقعها المعرفي والتعليمي على الطفل، وتنمية مداركه، وهو ما يستدعي الاستيعاب والتعامل معه كمستجد يتطلب المواكبة والملاحقة، وأشار إلى أن الطفل يحتاج لتنمية مداركه ومواهبه وخصوصًا تنمية حب الاستطلاع وليس كبحها ولجمها، وهو ما يستدعي التسامح مع أسئلة الطفل والإجابة عنها بما ينمّي المزيد من الأسئلة الإبداعية.
وأشار البروفيسور إلى أن عصر الإنترنت صار طاغيًا ولكن يستدعي وضع الأسئلة والإجابة عنها بأن هناك فئة من الشباب والشابات يجب استهدافهم، ويجيب بألا يركز الاختيار على الصفوة، بل عامة المبدعين فـ(زارا) كان عاملاً، و(صاحب إيكيا) كان طالبًا، و(صاحب الفيس بوك) كان طالبًا أيضًا.. ومثل ذلك نسب كبيرة من المبدعين الذين برزوا من داخل المنشآت التي كانوا يعملون فيها، ولهذا يدعو إلى تبني عامة المبدعين، وليس أولئك الذين صاروا نجومًا يشار إليهم بالبنان، وكلما زادت رعاية المبدعين توسعت بيئة الإبداع واحتضانه، وانعكس ذلك إنتاجية ومنتجات تفيد الفرد وتنفع المجتمع الإنساني.
نقلا عن جريدة المدينة