وضعت وزارة المالية في سلم أولوياتها عند تنفيذ موازنة العام الجديد 14/2015 أن يكون هنالك توظيف أمثل للموارد المتاحة، وأن يتم العمل على إبقاء معدل التضخم تحت السيطرة.
فكيف يمكن تحقيق هذين الهدفين في ظل ما تم الإعلان عنه من بيانات ومعلومات؟ وهل يمكن وصف الموازنة العامة لهذا العام بأنها موازنة توسعية؟ وما هي التأثيرات المحتملة للموازنة على واقع الاقتصاد القطري، وعلى أداء البورصة القطرية؟
أشير بداية إلى أن مجمل المصروفات العامة قد شهدت ارتفاعاً للسنة الجديدة بنسبة 3,7% إلى 118 مليار ريال.
وكان لذلك الخبر إنعكاس سريع على مؤشرات بورصة قطر التي ارتفعت في الأيام التالية للإعلان قريباً من أعلى مستويات لها هذا العام.
ومبرر هذا الارتفاع أن المزيد من الانفاق الحكومي في الفترة القادمة سيدعم أداء الشركات المدرجة في البورصة، ويزيد من حجم السيولة المتاحة للتداولات فترتفع أسعارها.
ويثور على الفور تساؤل عن مدى انسجام هذا الفهم للتأثيرات المحتملة للزيادة في الإنفاق، مع الأهداف المعلنة لضبط التضخم والتوظيف الأمثل للمواراد.
وأود في هذا السياق أن أشير إلى ما يلي:
1-أن نسبة الزيادة العامة في النفقات هي 3,7% وهي بذلك نسبة منخفضة وتتماشى مع معدل التضخم السائد في قطر والذي بلغ ذروته في الصيف الماضي عند مستوى 3,7%.
وهذا الأمر يشير بوضوح إلى أن الموازنة العامة للدولة، وإن بدت في بعض جوانبها أو بنودها أنها توسعية،، إلا أنها ليست كذلك من حيث المجمل.
2-أن بعض البنود الأخرى قد شهدت انخفاضاً ملحوظاً في مخصصاتها وفي مقدمتها المصروفات الجارية التي تشتمل في العادة على كل المخصصات المطلوبة لتسيير الخدمات الحكومية إضافة لفوائد الدين العام.
الجدير بالذكر أن مخصصات هذا البند قد انخفضت بنسبة 8,2% إلى 71,2 مليار ريال، وهو ما ينسجم مع ما أعلنته وزارة المالية من استهداف التوظيف الأمثل للموارد، أي أنه في ظل الإمكانيات المتاحة سيتم إدارة شؤون الدولة بتكلفة ومتطلبات أقل، عن طريق الاستغناء عن بعض الأنشطة والخدمات غير الفاعلة أوغير الضرورية، والبحث عن مصادر أخرى أقل تكلفة.
على أن بعض المخصصات الجارية لا يتوقع انخفاضها، ومنها الدين العام الذي قد تصل فوائده هذا العام إلى 10 مليار ريال.
3-أن المصروفات الرأسمالية التي تشتمل على مشتريات الحكومة من الأجهزة والمعدات المعمرة كالسيارات وتكاليف التوسعات المحدودة في الأبنية وغيرها قد تم خفض مخصصاتها أيضا وبمقدار 12,1% إلى 12,25 مليار ريال.
وبذلك يكون هناك بندين أساسيين يشكلان معاً ما نسبته 38.3% من المخصصات الكلية، هما المصروفات الجارية والرأسمالية، قد طرأ عليهما تخفيض، وبالتالي لا يمكن وصف مخصصاتهما بأنها توسعية.
4-أن بند الرواتب والأجور سيرتفع بما نسبته 7,3%إلى 47,5 مليار ريال، وهي نسبة نمو معتدلة وليست توسعية، وتتفق مع طبيعة هذا البند الذي يشتمل على زيادات نتيجة التعيينات الجديدة والترقيات، والعلاوات السنوية، في بلد ينمو بمعدل يقترب من 6% سنوياً.
5-في المقابل فإن بند المشروعات الرئيسية قد تمت زيادته والتوسع فيه بنسبة 16,8% عن السنة المالية لسابقة حيث ارتفع بمقدار 12,6 مليار ريال إلى 87,5 مليار ريال. ويأتي هذا التوسع انسجاماً مع خطة التنمية الأولى للفترة 2011-2016 التي تسعى الحكومة من تنفيذها إلى تطوير البُنية التحتية للدولة بكافة مرافقها من صرف صحي وطرق وكباري، وخطوط المترو، وشبكات التيار الكهربائي والمياه، وبناء المدارس والكليات والمستشفيات والمراكز الصحية، والميناء الجديد، ومساكن المواطنين وغيرها.
كما أن هذه المخصصات تشتمل على بعض المباني والتجهيزات المتعلقة باحتضان قطر لدورة الألعاب الأوليمبية عام 2022.
من هنا نتفهم مبررات هذه الزيادة الكبيرة، وخاصة أن الحكومة تعلن سلفاً بأن مخصصات السنوات الخمس القادمة على هذه البنود سترتفع إلى أكثر من 125 مليار ريال سنوياً.
ولأن هذه الزيادات توسعية فإنها كفيله بإحداث ضغوط تضخمية كبيرة، لذا فإن الحكومة ستعمل من خلال أدوات السياسة المالية وبالتنسيق مع السياسة النقدية لمصرف قطر المركزي على امتصاص الأثر التضخمي لها، ومن ذلك الاستمرار في إصدار أوذنات الخزينة والصكوك للبنوك بمعدل 4 مليار ريال شهرياً.
وبالطبع لن يتم ضخ كل مخصصات بند المشروعات الرئيسية في الداخل، حيث سيذهب جزء منها للشركات الأجنبية المنفذة لبعض المشاريع، ولاستيراد الأجهزة والمواد اللازمة للمشروعات.
ومع ذلك أنبه إلى أن معدل الزيادة الكبيرة في عدد السكان والذي بلغ 11,6% في شهر مارس الماضي، قد يؤدي إلى زيادات مفاجئة في الطلب على السلع والخدمات المختلفة بأكثر من المتوقع، ولا بد لذلك من أخذ هذا الموضوع بعين الاعتبار، والعمل على ضبط الزيادة السكانية.
وللحديث بقية...