يتندر البعض على تقدم الأعمار وعلاقتها بالإنتاجية وبالمناصب يحدث ذلك كلما استدعى وضع منشأة خاصة أو عامة تقييماً أو تعليقاً على أدائها أو أظهرت نتائج أعمال تعكس هنات اقتصادية.
ان الأجيال الجديدة في منشآت الأعمال الخاصة تميل لرؤية مستقبل أداء هذه المنشآت من زاوية الإبداع ويفترضون تبعاً لذلك بأن للشباب طاقات إبداعية تختلف في طبيعتها عن تلك التي لدى قادة تقدمت بهم السن.
ومع أنه يصعب الجزم بأحكام معينة ولكن في محاولة منهم للاسهام في نجاح منشآتهم فإن زاوية تفكيرهم تقارن الأفكار السائدة لدى قادة المنشأة بما يفترضونه معياراً لقياس النجاح وفي الحقيقة إذا كان الإبداع أن تقدم المنشأة ما لم تقدمه إدارتها الحالية فهو بالتأكيد عامل يصب في مصلحة رؤية الشباب ..وشخصياً أعرف النجاح بأنه مدى التمكن من تحقيق درجة من الرضا أو إسعاد أصحاب المصلحة كأن تحقق لهم اختراقاً في المنافسة السوقية أو نمواً في المنشأة وفي الحقيقة نجاح الشركة ليس لحملة أسهمها المباشرين ولكنه لتوسيع الطبقة الوسطى بما يسعد المجتمع.
ولهذا يظل التندر صالحاً لتفسير ما يجري من تراجع في ثقافة الإبداع بالمنشأة، خاصة إن أكدت ذلك نتائج الأداء الاقتصادي مقارنة بفترات عطاء إيجابي وإشارات تراجع في مراحل بعينها أو انعكس الأمر سلباً على مهام القادة أنفسهم، ففي هذه الفترة العمرية سيعجزون عن تحقيق انتصارات اقتصادية في مجالات النمو أو العصامية الإدارية كما كانوا يقودون منشآتهم بقوة الحنكة وزخم الطاقة التي كانت لديهم في مرحلة عمرية تنضح بالطاقات، ويشير كثيرون إلى الفترة بين سن 38 و55 سنة من العمر.
هذا لا يعني تلويحاً بالتقاعد المبكر لكبار السن أو عدم الوفاء لعطاء من سبق ولكن يشير إلى ضرورة الإقرار بأن فترة العطاء الذهبي لقائد المنشأة تتبدل من فترة لأخرى ،ففي مراحل يستطيع تقديم الكثير وفي فترات يكون قدم كل مالديه، سواء في مجال الإنتاجية أو الإبداع أو إظهار سمات قيادية تمنح النموذج الملهم للشباب يستوي في ذلك عطاء القادة بالقطاع العام والخاص. وفي الحقيقة تراجع العطاء الإيجابي والإبداعي في سن محددة أمر طبيعي ولعله سنة كونية وهو تراجع تدريجي ولا يعني الاختفاء من مسرح المنشأة أو الاقصاء الفوقي عن التأثير في المسارات الاستراتيجية للعمل بقدرما يعني الإفساح التدريجي عن (المنصب)لآخر يقوم به أو تهيئته تدريجياً لأداء أدوار تضيف قيمة عبر ضخ دماء جديدة تبني على نقاط القوة بتعميق ثقافة تواصل الأجيال لمصلحة المنشأة فالتواصل بين الأجيال عامل مهم لنقل المنشآت من رؤية الأجيال السابقة لرؤية الشباب وهو ما يساعد في تحقيق الأهداف بوسائل إبداعية جديدة ومغايرة تقوم على سواعد الشباب وبإبداعاتهم.
هذا التحليل لا يغفل حقيقة أن التقاليد الإدارية العربية تغيِّب مخاطر فجوة التواصل بين الأجيال رغم أنها مسئولة عن ظاهرة عزلة الشباب عن التجارب الثرة للآباء وهذا سيدفعهم لبناء حواجز وتبني ما يرونه صحيحاً ولهذا بالقدر نفسه تتحمل تقاليدنا الموروثة مخاطر رد فعل أصحاب الخبرة والأعمار المتقدمة وازدرائهم تطلعات الشباب على أنها صبيانية غير ناضجة والتماس علاجها برفع حائط التواصل معهم وهو ما يفسر سوء الفهم وسوء التفاهم بين الأجيال ويكرس تباعد الخطوط بينهم وهو أمر يهزم ثقافة العمل الجماعي وروح الفريق مما يهبط بالإبداع في المنشآت إلى قاع سحيق.
وإذا علمنا أن الإبداع رأسمال حقيقي غير ملموس فإن التقاليد الإدارية العربية مهدد حقيقي لثقافة الإبداع وليس ثمة خيار سوى إزالة الحواجز بين الأجيال في المنشآت المختلفة ويتم ذلك بغربلة الخصوصيات الثقافية وتنقيح سلبيات ثقافة شيخ العشيرة لأنها لا تصلح في العمل الاقتصادي.
لقد أثبتت دراسات إحصائية أن الإبداع يبلغ درجة التفرد والتميز لدى الإنسان عندما يكون ما بين الأربعين والستين وبالمثل أثبتت بدء تراجع الإبداع بعد ذلك إلى درجة التلاشي.
وتظل الحقيقة أن كل وظيفة يؤديها المرء لا تتم إلا إبداعاً ولكن يصح القول بأن كل وظيفة تظل بأهمية غيرها من الوظائف، فمن يساعد غيره في اتخاذ قرارات صحيحة في أهمية من يضع الخطط الاستراتيجية.
نقلا عن جريدة المدينة