هناك عدة عملات رقمية أو افتراضية متنافسة لا تعتمد على سلطة نقدية معينة ولا تستند إلى سياسة نقدية محددة باستثناء عدد من إصدارات العملة المشفرة أو الافتراضية مثل ريبل، لايتكوين، بييركوين، وكاتكوين، إلا أن أشهرها والمهيمنة على العملات الافتراضية حالياً هي "البتكوين".
وقد كانت بداية البتكوين قبل نحو خمس سنوات على يد مبرمج حاسب آلي غير معروف يلقب نفسه "ساتوشي ناكاموتو"، حيث تم طرحها كبديل للعملات الوطنية وكوسيلة لتحويل الأموال بسرعة، بتكلفة منخفضة، وبسرية لهوية المحول. والعملة الرقمية أو الافتراضية يتم التعامل بها بين طرفين دون الحاجة إلى طرف ثالث أو وسيط، كالبنك.
ونظراً لهيمنة البتكوين على سوق العملات الرقمية والافتراضية، فإن منافستها من قبل العملات الرقمية الأخرى ستكون في غاية الصعوبة نظراً لتأثير عدد المرتبطين بتعاملات مع الشبكة على زيادة الإقبال عليها من قبل المستخدمين الجدد، كالحال في وضع الشركة التي تهيمن في قطاع الاتصالات. وحالياً، هناك نحو 20,000 متجر حقيقي وافتراضي حول العالم يقبل البتكوين كوسيلة للدفع.
ولا يعني قبول هذا العدد الصغير جداً من المتاجر للبتكوين كعملة هو قدرتها على منافسة العملات التقليدية التي تقف خلفها سلطة نقدية وجهات تنظيمية ورقابية من ضمن مهامها إدارة عرض النقود والعملة الوطنية وأسعار الصرف وتحويل العملات المعترف بها ومكافحة عمليات غسيل الأموال وتمويل الإرهاب.
والسؤال، هل ستتمكن البتكوين من منافسة العملات التقليدية بوظائفها الثلاث الأساسية كمخزن للقيمة، ووسيلة للتعاملات، ووحدة للحساب، خصوصاً وأن الميزة الرئيسية لأي عملة ناجحة هي الحفاظ على قيمة مستقرة؟
بداية، تكون أي عملة وسيلة للتعاملات حين يتم قبولها من الطرف الذي يتم الدفع له، ومخزناً للقيمة حين تحافظ على قدرتها الشرائية لسلع حقيقية، أما الوظيفة الأكثر أهمية فهي كون العملة وحدة للحساب والتسعير، أي قيمة العملة وقدرتها على شراء سلع حقيقية، حيث تقوم السلطات النقدية حول العالم بتحديد القيمة الإسمية للعملة بينما تتكفل الأسواق بتحديد القيمة الحقيقية، وهذا لا ينطبق على البتكوين لعدم وجود كتلة أو سلطة نقدية تحدد قيمته الإسمية.
فما هي آليات عمل وتداول البتكوين؟ يتم إصدار عملات البتكوين من خلال معادلة معروفة ومعلنة بمعدل متناقص إلى أن يقترب العرض من 21 مليون وحدة عام 2040، علماً أن الوحدة تتكون من 25 بتكوين، ومجمل اصدارات البتكوين الموجودة حالياً تبلغ نحو 12.3 مليون.
بمعنى آخر، فإن البتكوين تراهن على عامل ندرتها كعملة نظراً لمحدودية العرض الكلي وسهولة الوصول إلى سقف العرض الحالي البالغ 21 مليون وحدة. وعند اصدار البتكوين لطالبها، يتم اتباع عمليات تثبت للتأكد من أن عملة البتكوين المصدرة غير مزورة.
كما أن عملات البتكوين ليست مرتبطة بأي عملات أو سلع أخرى، ولكن بالامكان استبدالها بعملات كالدولار مقابل المبلغ الذي يكون المشتري موافقاً على دفعه كسعر صرف مقابل الحصول على هذه العملة الافتراضية.
وعليه، فإن تحديد قيمة البتكوين يعتمد على جانب الطلب، حيث إن عرض النقود هنا مركزي ويعتمد على المعادلة الرياضية التي تم ذكرها أعلاه بينما تحديد قيمة البتكوين فهو لا مركزي ويعتمد على قوى السوق والعرض والطلب، أي على العكس تماماً من عرض النقود في فترة قاعدة الذهب قبل بريتون وودز.
فتحديد قيمة أي عملة يعتمد على مرتكزين رئيسيين، الأول تقبل العملة والثاني ما تستطيع العملة شراؤه من سلع وخدمات.
وبغض النظر عن مدى تقبل المتعاملين والمستثمرين للعملات الافتراضية، فإن الاستثمار أو التعامل بهذه العملات مثل البتكوين ينضوي على مخاطر تنطلق من الوظائف الثلاث الأساسية للنقود وقد تشمل المنع من التداول، المخاطر التقنية، المنافسة، والتذبذب في قيمة العملة، ومخاطر غسيل الأموال وتمويل الإرهاب.
فالمنع من التداول والتعامل بالعملات الافتراضية هو قرار سيادي تمارسه السلطة النقدية إذا وجدت أن الآثار السلبية لهذه العملات قد تضر بالاقتصاد أو المتعاملين، كالحال حين منع البنك المركزي التايلندي جميع التعاملات والاستثمارات في البتكوين في شهر يوليو الماضي وحين منع بنك الشعب المركزي الصيني جميع البنوك والمؤسسات المالية الصينية من التعامل بالبتكوين في ديسمبر الفائت على الرغم من أن ثلث تعاملات البتكوين عالمياً تتم في الصين وأكبر حجم تداولات للبتكوين يتم في بورصة بي تي سي شاينا الصيني، وهو ما نتج عنه انخفاض قيمة البتكوين بنحو 10 في المائة خلال ساعة من إذاعة الخبر.
أما المخاطر التقنية فتشمل الثغرات الأمنية التي يستخدمها قراصنة الإنترنت لتحويل عملات البتكوين من محفظة افتراضية لا تعود لهم إلى محفظة تعود لهم، أو الثغرات والهفوات التقنية التي قد تنتج عن خطأ برمجي متعلق بتطوير بعض الخصائص والعمليات المتعلقة بالعملة الافتراضية كثغرة تعاملات البتكوين التي اكتشفتها بورصة مونت غوكس اليابانية في مطلع فبراير والذي أدت إلى تعليق السحب لفترة نجم عنها انخفاض قيمة البتكوين بنحو 16 في المائة.
أما المنافسة فتكمن في سهولة تقليد وتكرير نموذج عمل البتكوين وكما أوضحنا في بداية المقالة فإن هناك الكثير من العملات الافتراضية التي قد تنافس هيمنة البتكوين حالياً.
والمنافسة بجانب التذبذب في قيمة العملة يؤثران على وظيفة العملة الافتراضية كمخزن للقيمة نظراً لارتفاع المخاطرة التي قد تنجم عن تراجع قيمة العملة الافتراضية بسبب التذبذب وحصول المنافسين والبدائل على حصة سوقية أكبر.
أما المخاطر التي قد يكون لها تأثير على القطاع المالي عموماً وعلى العملة الوطنية والاقتصاد فترتبط باستخدام العملات الافتراضية في عمليات غسيل الأموال وتمويل الإرهاب اعتماداً على طبيعتها السرية وهو ما حدث من قبل في الولايات المتحدة حين قام عدد من تجار المخدرات باستخدام البتكوين وموقع طريق الحرير على الإنترنت للقيام بالتجارة في الممنوعات لحين قيام مكتب التحقيق الفيدرالي بإغلاق الموقع.
وأخيراً، ومن وجهة نظر شخصية، فإن العملات الافتراضية أبعد ما تكون عن العملات الحقيقية وإن فشلها في القيام بالوظائف الأساسية للنقود بسبب بنيتها الهيكلية وطريقة تصميمها وتداولها يجعلها أقرب إلى أدوات المضاربة والروليت منها إلى أن تكون بديلاً للنقود.
ولكن، بما أنها عملة افتراضية يمكن لأي شخص الوصول إليها والمضاربة بها من خلال الإنترنت، فإننا نتطلع إلى قيام مؤسسة النقد العربي السعودي بإصدار رأي أو توضيح أو ورقة توعية أو دراسة تتعلق بالعملات الافتراضية والحدود المسموح بها في المملكة تبعاً للأنظمة والقوانين وبما يحمي من التأثيرات الجانبية للتعامل بهذه العملات الافتراضية.
نقلا عن جريدة اليوم