الغرض الأساسي من إنشاء الهيئة العامة للاستثمار والمرتبطة برئيس المجلس الاقتصادي الأعلى منذ العام 2000م هو العناية بشؤون الاستثمار في المملكة بما في ذلك الاستثمار الأجنبي بما يتضمن إعداد سياسات المملكة التنموية والاستثمارية، اقتراح الخطط والقواعد التنفيذية، المتابعة والتقييم لأداء الاستثمار، البحث والترويج عن فرص الاستثمار، التنسيق مع الجهات الحكومية ذات العلاقة بما يمكن الهيئة من تحقيق مهامها، تنظيم المؤتمرات والمشاركة فيها، وتطوير الإحصائيات والمعلومات، وأي مهام تسند إليها نظامياً.
وقد يكون كل ما سبق من اختصاصات الهيئة العامة للاستثمار تبعاً لقرار مجلس الوزراء الموقر رقم ٢ بتاريخ ٥/١/١٤٢١هـ.
وتبعاً لاختصاصات الهيئة السابق ذكرها، فإن هنالك خللا واضحا في أداء الهيئة منذ إنشائها لضبابية الرؤية التي تستند إليها والهدف النهائي الذي يجب أن يكون مرتبطاً بالاستراتيجية الاقتصادية الكلية، خصوصاً وأن التنسيق مع وزارة الاقتصاد والخطيط لم يكن وارداً وارتباط أداء الهيئة مع استراتيجية المجلس الاقتصادي الأعلى لم يكن واضحاً أيضاً. لذا، برز الكثير من التخبط في أداء الهيئة العامة للاستثمار وانفصام أدائها عن المنفعة الكلية التي تطال الاقتصاد ككل لتركيزها على بعض اختصاصاتها دون الالتفات للصورة الأكبر، حيث أصبح رفع التصنيف في مؤشر أداء الأعمال بطريقة "صورية" ومنفصلة هدفاً بحد ذاته، طبعاً بالاعتماد على شركة استشارية غربية تجهل الاقتصاد المحلي وأهدافه.
وأصبح رفع التصنيف مقياسا لنجاح الهيئة في وقت مضى عوضاً عن مقاييس أكثر أهمية تتعلق بمسيرة اقتصادنا الوطني وأولوياته.
ولذلك، فإن العام 2013 م يعتبر عام بداية تصحيح الأخطاء إن كانت هنالك استراتيجية للإدارة الجديدة للهيئة ترتبط بأهداف الاقتصاد السعودي الكلية ومؤشراته.
فعلى سبيل المثال، شطبت الهيئة العامة للاستثمار في شهر سبتمبر من العام الماضي 62 ترخيصاً لمستثمرين أجانب جراء مخالفتهم أنظمة الاستثمار الأجنبي ولوائحه، حيث أتى التحرك الذي تركز على القطاعات الخدمية مدفوعاً بقيام الهيئة بمراجعة شاملة للتراخيص التي أصدرتها ومتابعة المشاريع والتأكد بالتزامها بشروط ومتطلبات ولوائح الاستثمار الأجنبي التنظيمية.
وبعده بشهر واحد، وفي تشرين الأول أكتوبر الماضي، عزمت الهيئة وبدأت باتخاذ إجراءات لإلغاء 85 في المائة من تراخيص الاستثمار الأجنبي السياحية، ليبقى من نحو 216 ترخيصاً 33 ترخيصاً فقط! ومن المخالفات التي بناء عليها تم سحب التراخيص عدم الالتزام بنسب السعودة وأنظمة وزارة العمل، ممارسة أعمال غير مرخص بها، بيع التأشيرات، رفض التعاون واستقبال مفتشي الهيئة، سوء التنظيم، والتجني على حقوق العمالة.
وبناء على تحركات الهيئة العامة للاستثمار "التصحيحية"، قد يكون من الجميل الاحتفاء بأسباب سحب التراخيص، وكلها جاءت لأسباب تنظيمية وقانونية دون شك، ولا بد للهيئة من تذييلها كأسباب يقتنع بها المواطنون، ولكن تظل دون وجهة محددة وهدف واضح المعالم للاستثمار الأجنبي في المملكة وللاقتصاد ككل! فتصحيح وضع وحالة الاستثمار الأجنبي في المملكة لم ولن يكون إنجازاً للهيئة العامة للاستثمار، فهي تصحح أخطاءها فقط دون تحمل المسؤولية للفرص الضائعة من هذه الأخطاء في وقت الوفرة المالية والنمو الاقتصادي.
بمعنى آخر، إن إلغاء تراخيص وتنظيم الاستثمار الأجنبي يجب أن يكون ضمن هيكل واضح يجيب عن سؤالين، أولهما ما الخطأ؟ والثاني، من المسؤول؟ ومن ثم يتم طرح الإجابة للجميع وتوفير الحلول والسبل التي تؤدي لعدم تكرار الخطأ استناداً للقوانين والأنظمة ولجوءاً للقضاء الذي يحكم في التزام الهيئة بواجباتها ومحاسبة المقصرين.
وخلاصة القول، تم رفع مخصصات الهيئة العامة للاستثمار في الميزانية العامة للدولة لتبلغ بنحو 30 مليون ريال في عام 2013م لتبلغ 180 مليون ريال، فهل هناك معيار لقياس القيمة المضافة لجهود الهيئة والاستثمار الأجنبي وخصوصاً غير النفطي والبتروكيماوي تبعاً للمعيار الاقتصادي الكلي المتفق عليه من قبل جهات صنع القرار الاقتصادي؟ هذا هو السؤال الذي يجب أن يجيب عنه صناع القرار الاقتصادي لأن الهيئة جهة تنفيذية ليس إلا، ولها فقط أن تساهم في الوصول إلى الأهداف الاقتصادية الكلية دون تجاوز للإطار الذي يجب أن يحدد لها.
نقلا عن جريدة اليوم