البطالة العنيدة تستمر على الرغم من جهود "حافز"

11/02/2014 3
د.عبد العزيز حمد العويشق

نشرت مصلحة الإحصاءات العامة والمعلومات أخيراً، معدلات البطالة المقارنة للسنتين الماضيتين (2012-2013)، حيث تتتبعت التطور في تلك المعدلات من بداية 2012 إلى نهاية الفصل الثالث من عام 2013.

وتُظهر هذه البيانات أن معدل البطالة ظل مرتفعاً، ولم يتغير كثيراً على الرغم من مرور نحو عامين من بدء برنامج حافز، وعلى الرغم من استمرار النمو في الاقتصاد السعودي. 

فوفقاً لبيانات المصلحة، لم يتغير معدل البطالة للسعودية بشكل ملموس خلال العام الماضي. إذ بلغ معدل البطالة للرجال السعوديين (6.1) بالمئة في الربع الثالث من عام 2013، أي نفس المعدل بالضبط الذي سجل في الربع الثالث من عام 2012.

أما معدل بطالة النساء فقد بلغ (33.2) بالمئة في الربع الثالث 2013، مقارنة بـ(35.7) بالمئة في الربع المقابل من عام 2012، وعلى الرغم من هذا التحسن الطفيف في معدل بطالة النساء إلا أنه لم يغير كثيراً في المعدل الكلي، نظراً لضعف إسهام المرأة في سوق العمل، كما أن معدل بطالة النساء ما زال في غاية الارتفاع مقارنة بالدول الأخرى ذات الظروف المشابهة.

ويبدو أن معدلات البطالة المرتفعة قد أصبحت مزمنة ومستوطنة لدينا، وبالتالي "عنيدة"، أي عصية على الحلول التقليدية. وقد أصبح مصطلح "البطالة العنيدة" عبارة مألوفة في أعقاب الأزمة المالية العالمية، ويشير إلى بقاء معدل البطالة مرتفعاً على الرغم من ارتفاع معدل النمو الاقتصادي.

وهذا النوع من البطالة يختلف عن البطالة الدورية، أي البطالة التي تصاحب فترات الركود الاقتصادي في الدورة الاقتصادية.

وأسباب البطالة العنيدة لدينا معقدة، تعود بالدرجة الأولى إلى طبيعة سوق العمل المنفتحة على الخارج، وإلى التغيرات الهيكلية في الاقتصاد السعودي وعدم استجابة النظام التعليمي والتدريبي بشكل سريع لتلك التغيرات.

ومع أن عدداً من الدول الصناعية والنامية تعاني من الظاهرة نفسها، إلا أن المملكة تختلف عن معظمها بأنها تمر بفترة نمو اقتصادي مستمر، وبكونها قد خصصت موارد ضخمة لحل المشكلة، مثل موارد برنامج حافز وصندوق تنمية الموارد البشرية وغيرهما.

ولذلك فإن مما يثير الاستغراب حقاً أن يستمر معدل البطالة في حدود (12) بالمئة، على الرغم من أن الاقتصاد يعيش مرحلة نمو مزدهر. فقد تضاعف حجم الاقتصاد السعودي خلال خمس سنوات، من (369) مليار دولار في عام 2009، إلى (745) مليار عام 2013. وارتفع الإنفاق الحكومي بشكل سريع كذلك خلال تلك الفترة، من (147) مليار دولار إلى (247) مليار دولار.

ومن ناحية أخرى، تُظهر بيانات المصلحة أن برنامج حافز لم يؤدّ حتى الآن إلى تقليص ملحوظ في معدلات البطالة، على الرغم من مرور نحو عامين على انطلاقته. وكما هو معروف فقد تقدم للبرنامج منذ بدء العمل به ملايين من المواطنين والمواطنات الباحثين عن عمل قبل الكثير منهم فيه، ويصرف للمسجلين في البرنامج مبلغ ألفي ريال شهرياً يتوقف دفعها في حال حصول الشخص على وظيفة، أو بعد مرور سنة على تسجيله في البرنامج، أيهما يأتي أولاً، مع بعض الاستنثاءات.

ونظراً إلى أن الهدف الرئيس من البرنامج هو تسهيل الحصول على عمل، فإن للبرنامج شروطاً محددة للقبول، وقد تم رفض الكثير من الطلبات التي لم تستوف تلك الشروط.

وبالطبع فقد حقق البرنامج نجاحاً ملموساً في توفير الدعم المالي للباحثين عن عمل الذين قُبلوا فيه، إلا أن أرقام مصلحة الإحصاءات الأخيرة تشير إلى أنه لم يحقق النجاح نفسه في تحقيق هدفه الرئيس، أي تخفيض معدلات بطالة المواطنين. 

ولكن لكي يحقق البرنامج هدفه في تخفيض البطالة، ولتفادي الصعوبات المالية التي تواجهه في حال استمرت أعداد المسجلين فيه بالارتفاع، يجب أن تبذل جهود أكبر لتأمين وظائف للعاطلين بأسرع وقت.

وإذا كانت أرقام المصلحة صحيحة بأن معدل بطالة السعوديين قد ظل دون تغيير بين الربع الثالث لعام 2012 والربع الثالث لعام 2013 فإن ذلك مؤشر يثير القلق بأن البرنامج قد لا يكون نجح في تحقيق هدفه الأساس. فما لم ينجح حافز في تخفيض معدل البطالة فإنه يصبح مجرد برنامج آخر للضمان الاجتماعي.

وكما وجدت دول أخرى من قبل، فإن القضاء على "البطالة العنيدة" قد لا يكون سهلاً لأنه يتطلب آليات جديدة ومبتكرة.

فجذور المشكلة التي أشرتُ إليها من قبل لا تقبل الحلول السريعة أو القوالب المحفوظة، وقد اضطر الخبراء في الدول الأخرى التي مرت بهذه الظاهرة إلى إعادة النظر في أساليب العمل والحلول القديمة.

فعلى سبيل المثال، تخلصوا من النماذج الاقتصادية التي تعتمد على فرضيات "المنافسة الكاملة" و"حرية السوق"، و"اليد الخفية" التي تنظم تلقائياً العلاقة بين العرض والطلب، وتوفق بين طالبي العمل والوظائف المتاحة دون الحاجة إلى التدخل الحكومي.

وبدلاً من هذه الفرضيات القديمة، فإن مجابهة البطالة العنيدة تتطلب تبني سياسات جديدة لسوق العمل تعتمد على التدخل المباشر والإيجابي للتوفيق بين الباحثين عن عمل والوظائف المتاحة، وتوفير المهارات التي يحتاجون إليها، سواء كانت مهارات فنية أو وظيفية أو نفسية أو اجتماعية.

وفي الوقت نفسه، تتم إدارة الاستقدام بشكل مباشر ومتكامل مع سياسات العمل الداخلية، على مستوى القطاع والشركة والصناعة، وليس على مستوى الاقتصاد الكلي فحسب.

وبدون ذلك، قد تستمر معدلات البطالة عند مستوياتها العالية، مهما أنفقنا على برامج دعم الباحثين عن عمل.

وبالطبع، هناك بديل آخر، لا أنصح به، وهو أن نتمنّى أن تكون بيانات مصلحة الإحصاءات الأخيرة غير دقيقة، وأن الوضع أفضل مما تكشفه تلك البيانات.

نقلا عن جريدة الوطن