لا مخاطر من قروض الأفراد.. ولكن؟

10/02/2014 4
د.عبد الوهاب أبو داهش

القروض الشخصية على الأفراد تجاه البنوك بلغت 326.9 مليار ريال بنهاية الربع الثالث للعام الماضي.

منها 13.2% فقط للتمويل العقاري، و19.4% للسيارات والمعدات، والنسبة الأكبر(220.5 مليار ريال) 67.5% صنفت على أنها قروض أخرى.

ويقال إن هناك قروضاً فردية بنحو 100 مليار ريال جاءت من شركات ومصادر أخرى غير خاضعة لرقابة مؤسسة النقد العربي السعودي مثل شركات تقسيط السيارات.

ليصبح اجمالي القروض على الأفراد من جميع المصادر نحو 426.9 مليار ريال. وتمثل هذه القروض نسبة 15.3% من اجمالي الناتج المحلي، ويصل متوسط نصيب الفرد(سعودي واجنبي) نحو 14.2 ألف ريال للفرد الواحد.

فهي تمثل اذاً نحو 15% من متوسط الدخل الفردي البالغ 93 ألف ريال. حتى وان استثنينا غير السعوديين الذين في العادة لا يقترضون من البنوك، فإن هذه النسبة تظل متدنية حتى بمقاييس الدول الأخرى.

فعلينا أن نعرف فقط أن القروض العقارية لوحدها (بدون قروض السيارات والمعدات) في بعض الدول تتجاوز 70% من اجمالي الناتج المحلي، وفي دول أخرى تتجاوز 100%، وفي دول الخليج بين 15% و 20%.

مما يثبت أن القروض للافراد في المملكة مازالت متدنية للغاية ولا تشكل خطرا يهدد القطاع البنكي أو الأفراد أنفسهم.

صحيح أن هناك بعض الأفراد لديهم ديون أعلى من دخولهم ويواجهون مشاكل جمة في تسديدها أو الحصول على قروض أخرى، لكن هذه المقالة تنظر الى المجتمع والاقتصاد ككل، وتتساءل لماذا لايقترض الافراد من البنوك بشكل أكبر، ولماذا تتحفظ البنوك في اقراض الأفراد.

ولعلني هنا أحاول الاجابة على ذلك بشكل مبسط لنصل الى استفادة مثلى من السيولة العالية في الاقتصاد السعودي.

فمع تنامي السكان وانتقال معظمهم للعيش في المدن الكبرى للعمل ومع تحسن الاجراءات البنكية الالكترونية مثل نظام سريع، أصبح بامكان البنوك اقراض الافراد بضمان الراتب، وقد قبل بعض الافراد ذلك خصوصا لشراء السيارات في البداية.

ومع زيادة الحاجة وغياب أنظمة الرهن العقاري، اصبح من السهولة على الافراد الاقتراض في شكل قروض شخصية لاكمال بناء أو شراء منزل عن طريق التوريق وخصوصا توريق السيارات.

ومع ازدياد توجه الناس للاقتراض من البنوك خصوصا مع ثورة الاسهم السعودية بين 2004-2006 أقبل الأفراد على الاقتراض بشراهة بضمان الأسهم والتي رأت البنوك أن هذا ضمان آخر لايقل أهمية عن ضمان الراتب فتوسعت في الاقراض مما حدا مؤسسة النقد الى تحديد القروض بنسبة 30% من دخل الفرد الذي هو في العادة (الراتب) مما ساهم في لجم عملية الاقراض.

هذا هو السيناريو المختصر للنمو الهائل في القروض من اقل من 50 مليار في بداية الألفية الأخيرة الى هذه المستويات الحالية والتي رأى البعض أن هذه تشكل مخاطر على الأفراد والبنوك.

لكنها في الواقع تحكي بداية القصة وبداية التحول التي يجب أن يشكلها الرهن العقاري خصوصا بعد صدوره بشكله النهائي وبلوائحه التنفيذية.

لقد ركزت أنظمة الرهن العقاري على عملية الادخار والاقراض بتحديد نسبة 70% للقرض كقيمة من العقار في محاولة من ساما –كما تذكر دائما- في حث المواطنيين على الادخار (الذي هو الاخر يشكل نسبة ضئيلة جدا للافراد السعوديين بالمقارنة بالدول الأخرى).

وفي نفس الوقت تسعى ساما على ابقاء البنوك متمسكة بسياساتها التحفظية في الاقراض تجنبا لأية مخاطر محتملة.

إن هذه المعادلة التي تضعها ساما هي ببساطة تفسر -في نفس الوقت- انخفاض معدلات الاقراض التاريخية للافراد، ويبدو أن ساما تريد أن تبقى هذه المعدلات في مستويات متدنية، وأن تنمو تدريجيا مع الوقت، مما يجعلني أؤكد أن أنظمة الرهن العقاري لن تؤثر كثيرا في القطاع العقاري بسبب هذه السياسة المتحفظة جدا: (نسبة ادخار متدنية للأفراد) و(نسبة اقراض متدنية من البنوك) مما يعيق الاستفادة الفعلية من أنظمة الرهن العقاري والسيولة الضخمة في الاقتصاد.

والحل في اعتقادي يتمثل في رفع هذه النسبة لتصل الى 80% أو تركها مفتوحة لتعطي البنوك الحرية في التعامل مع كل فرد على حده وحسب جدارته الائتمانية.

وإلا مالفائدة من سماح مؤسسة النقد للبنوك برفع رؤوس أموال البنوك في خطوة مسبقة للتنافس في قطاع الاقراض العقاري، فرفع رؤوس البنوك هو الخطوة التي ستجعل من البنوك قادرة على تأسيس شركات تمويل عقاري برؤوس اموال عالية، وفي نفس الوقت القدرة على اصدار صكوك طويلة الأمد لمجابهة الخلل الهيكلي الدائم في الفجوة بين الاصول طويلة الأمد والالتزامات قصيرة الأمد، خصوصا وأن شركة اعادة التمويل العقاري لم تنشأ حتى الأن ولم نشهد أية تطور ملحوظ في سوق الصكوك والسندات السعودية.

إن من الأهمية بمكان انهاء هذه المعضلة التي اصبحت سمة واضحة ودائمة في القطاع البنكي والمالي السعودي، خصوصا وأن الظروف أصبحت مواتية بعد وجود سوق مالية منظمة مع وجود سيولة عالية لدى الأفراد والشركات. فوجود سوق ثانوية للصكوك والسندات، هو أحد القنوات الهامة في تشجيع الأفراد والشركات على الادخار مما يرفع هذه النسبة متى كانت الاصدارات بقيمة اسمية منخفضة تمكنهم من المشاركة، ناهيك عن انها خطوة جوهرية في قدرة شركات التمويل والقطاع البنكي على ممارسة اعادة التمويل بشكل فعال.

نقلا عن جريدة الرياض