في المقال الذي كتبته في بداية هذا الشهر عن «التحديات الثلاثة للرؤية السعودية 2030» كان التحدي الثالث هو «الأجهزة التنفيذية» وقلت إنها تحتاج إلى إعادة هيكلة في بنيتها أولاً، قبل الدخول في معترك الرؤية السعودية 2030. وقد حدث هذا بالفعل بعد الإعلان عن إعادة تشكيل بعض الأجهزة التنفيذية في الأسبوع الماضي لتتواكب مع الرؤية المستقبلية.
ويبدو أن إعادة الهيكلة أخذت في الاعتبار الطريقة الأسهل والأسرع في اتخاذ القرار، فوضعت الأنشطة الاقتصادية التكاملية في وزارة واحدة، ليتسنى لوزيرها والمشرف عليها في إزالة العوائق التي تعترض تلك الأنشطة من خلال تنشيط أدوار الهيئات المعنية والتنسيق بينها لسرعة إزالة المعوقات واتخاذ قرار سريع.
وتمثل وزارة الطاقة والصناعة والثروة المعدنية أبرز الأمثلة لرغبة الحكومة السعودية في تنشيط مركزية القرار وسرعة اتخاذه للأنشطة المتكاملة، حيث سيرأس وزير الطاقة والصناعة والثروة المعدنية مجلس إدارة كل من الهيئة الملكية للجبيل وينبع، وصندوق التنمية الصناعية، والهيئة السعودية للمدن الصناعية ومناطق التقنية، وهيئة المساحة الجيولوجية السعودية، ومدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية، وهيئة تنمية الصادرات السعودية، ومدينة الملك عبدالله للطاقة الذرية والمتجددة.
ورغم أن فكرة سرعة التنسيق بين هذه المؤسسات والهيئات يبدو في الوهلة الأولى بسيطاً إلا أن التحديات أمام الوزير في بسط نفوذه تبدو صعبة للغاية، فكفاءة الوزير هنا ليست هي المقياس فقط، بل المقياس هو قدرته على إدارة مهام متعددة في نفس الوقت الذي يدير فيها سياسة الدولة النفطية، والتي تعتبر لوحدها ذات أهمية كبيرة رغم أن هدف الرؤية تحييد النفط في أسرع وقت ممكن.
بمعنى آخر فإن هناك صعوبة بالغة في أن تترك الحكومة السعودية إدارة السياسة النفطية العالمية بيد منتجين آخرين غيرها، إذ سيترتب على ذلك فقدان قدرتها التأثير في السياسة والاقتصاد الدولي، الأمر الذي يجعل من الأهمية بمكان عدم التفريط في سيطرة السعودية على أوبك واتخاذ القرار فيها. فوفاة أوبك يعني أن التأثير السعودي في السوق النفطية قد شارف على نهايته، وبذلك نخسر أهم الكروت المؤثرة في السياسة والاقتصاد العالمي.
ومثال آخر على الوزارات التي أعيد تشكيلها مؤخراً من أجل سرعة التنسيق وإزالة المعوقات هي وزارة العمل، التي أصبحت وزارة العمل والتنمية الاجتماعية.
ومن يعرف وزارة العمل عن قرب يجد أنها مشغولة إلى أذنيها ومغرقة في قضايا سوق العمل التي يبدو أنها لا تنتهي، بل تتراكم مع زيادة معدلات البطالة، وزيادة الخلل الهيكلي في أسواق العمل، وتعثر النمو الاقتصادي، ناهيك عن إشرافها على صندوق الموارد البشرية، وتأشيرات العمالة الوافدة، والقضايا العمالية، ودخولها في صراع تنظيم عمالة مؤسسات وشركات القطاع الخاص، ما يجعل إضافة حصة الشؤوون الاجتماعية إليها هي زيادة في الأعباء بعدما ظهر في الأفق ما يجعل من وزارة الشؤون الاجتماعية السابقة تعبر من خلال النفق إلى ساحة تنظيمية أصبحت أكثر وضوحاً للمراقبين.
وعلى أية حال، ففي الحالتين السابقتين (وزارة الطاقة ووزارة العمل) ستلعب شخصية الوزيرين دوراً مهماً ومحورياً في تفعيل الأنشطة والهيئات والمؤسسات التابعة لهما، فأمامهما تحديات كبيرة وتحتاج بعضها إلى معالجات جذرية، وليس مجرد تحسينات أو إضافات.
وبإمكانهما فعل ذلك متى استطاعا إعادة هيكلة الوزارتين بجعلهما أكثر رشاقة بتوظيف كفاءات عالية واختيار مجالس إدارات حيوية لها القدرة على لعب دور مهم في تنفيذ السياسات الجديدة لتحقيق الرؤية 2030.
وستلعب شخصيتي وزيري التجارة والاستثمار وكذلك الصحة دوراً مهماً أيضاً، في تنشيط أدوار تلك الوزارتين والهيئات التابعة لهما، خصوصاً وأنهما عرفا بالقدرة على التنظيم وسرعة الهيكلة ومعالجة الخلل، مايجعلنا نتفاءل في قدرة هاتين الوزارتين على تحقيق أهدافهما بصعوبة أقل مما سيواجهه وزير الطاقة ووزير العمل.
نقلا عن الرياض