تقترب السنة المالية 13/2014 من نهايتها بعد أسابيع قليلة، ومن ثم، تجرى الاستعدادات للتحضير لموازنة العام الجديد التي تبدأ اعتباراً من مطلع إبريل القادم.. وعلى عكس ما كان يصدر من تلميحات عن كل موازنة في السنوات السابقة بأنها الأكبر والأعظم في تاريخ قطر من حيث مستويات الإنفاق والإيرادات، وربما الفائض أحياناً، فإن الاستعدادات لموازنة العام الجديد قد تضمنت خطوات وترتيبات لتقليص وترشيد النفقات العامة بما يحقق أهداف استراتيجية التنمية الوطنية.
وقد دشن سعادة على شريف العمادى وزير المالية هذه الاستعدادات في نوفمبر الماضي بمنشور تم تعميمه على الوزراء ورؤساء الاجهزة الحكومية للالتزام ببنوده وضوابطه.
وقد تضمن المنشور التأكيد على اهمية تطبيق سياسات مالية متوازنة وتحقيق مبدا القيمة مقابل التكلفة وتوظيف الموارد بالشكل الامثل.
وقد حدد المنشور سبعة محاور واهداف للسياسات الاقتصادية والمالية للدولة تشتمل ضمن أمور أخرى على المحافظة على مركز مالى قوى والعمل على تحقيق التوظيف الامثل للموارد المالية بما يحافظ على التصنيف الائتمانى المرتفع للدولة، واستمرار اجراءات الحد من التضخم وربط السياسات المالية والنقدية لتحقيق ذلك.
الجدير بالذكر أن موازنة العامة الحالي قد تضمنت تقديراً للنفقات العامة بما يصل إلى 211 مليار ريال في مواجهة إيرادات تم تقديرها بـ 218 مليار ريال –عند سعر برميل للنفط يعادل 65 دولارا-، ولكنها في الغالب ستصل إلى 270 مليار ريال حسب السعر الفعلي الذي تجاوز المائة دولار للبرميل.
وتتعزز تلك التقديرات إذا ما عرفنا أن الإيرادات الفعلية لتسعة شهور قد بلغت 198 مليار ريال وفق ما ورد في نشرة ديسمبر الماضي لمصرف قطر المركزي.
وكان صندوق النقد الدولي قد توقع في تقريره مع قطر بموجب مشاورات المادة الرابعة في العام الماضي أن تتراجع إيرادات قطر بالتدريج في السنوات القادمة حتى عام 2016/2017 نتيجة تراجع إيرادات النفط والغاز.
ومن ثم بات من الضروري ضبط النفقات العامة حتى تحافظ الدولة على قوة مركزها المالي وتصنيفها الإئتماني.
وقد تردد في الآونة الأخيرة أن هناك نية لخفض النفقات العامة في الموازنة الجديدة بنسبة 20%، ومن المؤكد أن هذا التخفيض لن يطال بند الرواتب والأجور أو بند المشروعات الإنمائية التي ستزداد وتيرتها هذا العام والأعوام القادمة، كما ستزداد نفقات الدين العام الذي رغم تباطؤ نموه لا يزال في حالة ارتفاع.
وفي المقابل قد ينصب هذا التخفيض على بند " نفقات أخرى" في النفقات الجارية الذي بات يستقطع مبالغ كبيرة في ميزانيات الأعوام السابقة، بحيث بلغ 86.5 مليار ريال في ميزانية عام 2012/2013. وقد ذكرت صحف الأسبوع الماضي أن بعض الإدارات قد قامت بالفعل بتقليص نفقات الخدمات العامة كعقود تأجير السيارات وشركات الضيافة، وما إلى ذلك.
وإذا كان منشور الموازنة المشار إليه أعلاه قد وضع ضمن أهداف الموازنة الجديدة ضبط التضخم، لذا فإن من غير المستبعد أن يتم إنهاء عقود الوحدات السكنية المؤجرة للحكومة منذ سنوات دون أن تكون مسكونة فعليا.
فمثل هذا الإجراء يؤدي من ناحية إلى تقليص النفقات العامة، ولكنه يعمل من جهة أخرى على إعادة التوازن إلى سوق الإيجارات بحيث تنخفض مستوياتها إلى مستويات معقولة تتناسب مع إمكانيات المستأجرين.
الجدير بالذكر أن بيانات التعداد لعام 2010 كانت تشير إلى وجود فائض كبير في الوحدات السكنية غير المستغلة يصل إلى قرابة 30 ألف وحدة، ومع ذلك حدثت موجة من ارتفاعات القيم الإيجارية في عامي 2011 و 2012 بشكل غير منطقي، ويتعارض مع قوانين العرض والطلب.
وقد أدى الارتفاع المشار إليه في مستويات الإيجارات إلى إحداث زيادات متتالية في أسعار كثير من السلع والخدمات، الأمر الذي انعكس سلبا في صورة ارتفاع في معدل التضخم في النصف الأول من العام 2013 إلى مستوى 3.6% في مايو الماضي، وذلك قبل أن ينخفض في الشهور التالية بتأثير ترتيبات اتخذها مصرف قطر المركزي لضبط السيولة.
وقد كنت قد أشرت في مقال سابق هذا العام إلى أن مقياس الرقم القياسي للأسعار بصيغته الحالية لم يعد دقيقاً في التعبير عن مستويات التكلفة الفعلية للمعيشة في قطر، مما يستوجب مراعاة ذلك عند اتخاذ أي إجراءات جديدة لضبط التضخم .
والخلاصة أن موازنة العام المالي 14/2015 لن تشهد ارتفاعاَ في الإيرادات العامة بل على العكس تشهد انخفاضا محدوداً إلا إذا تم تعديل السعر الافتراضي لبرميل النفط بالزيادة وهذا أمر يبدو مستبعداً، كما ستميل النفقات التقديرية إلى الانخفاض إلى حدود 200 مليار ريال نتيجة تطبيق التخفيض المعلن عنه بنسبة 20% في بعض بنود النفقات الجارية.
وسيكون هذا التخفيض عنوان المرحلة في السنة الجديدة من أجل دعم الجهود المبذولة لترشيد الانفاق العام لتحقيق الأهداف الموضوعه وأولها الإبقاء على المركز المالي القوي للدولة، وتعزيز تصنيفها الائتماني وضبط معدل التضخم قبيل انطلاق تنفيذ مشروعات المونديال.