قرأنا في الصحف عن قيام مجلس المنافسة بالتقصي حول عملية الاستحواذ التي ستقوم بها شركة الجميح لوكالة بيبسي التابعة لشركة القصيبي للمرطبات ومدى احتمالية مخالفة مثل هذا الاندماج لنظام المنافسة الصادر بالمرسوم الملكي رقم م/ لعام 1425هـ.
ولتوضيح الأمر للقارئ الكريم فإنه ينظر لعمليات الاندماج والاستحواذ كمصادر لتكوين وضع مهيمن والسيطرة على السوق والتحكم بالأسعار بما قد يضر بمصالح المنافسين وقد يؤدي إلى إخراجهم من السوق، كما أن السيطرة من قبل منشأة أو مجموعة منشآت قد يضر بمصالح المستهلكين ويمنع المنافسة ويوجد حواجز لدخول تجار جدد إلى السوق خوفا من عدم قدرتهم على المنافسة والحصول على حصة عادلة في السوق.
لذا تحرص أنظمة المنافسة على منع هذه التصرفات المخلة بالمنافسة والتي يمكن تقسيمها إلى قسمين رئيسيين.
الأول الاتفاقيات المقيدة وهي الاتفاقيات التي تحصل بين التجار والتي تحد من المنافسة كتحديد الأسعار أو توزيع المناطق الجغرافية ونحو ذلك مما نصت عليه المادة الرابعة من نظام المنافسة.
الثاني منع استغلال الوضع المهيمن بطريقة سلبية تحد من المنافسة كالبيع بأقل من سعر التكلفة بقصد الإضرار بالمنافسين ونحو ذلك من الصور التي نصت عليها المادة الخامسة. يضاف إلى هذين القسمين أمر ثالث تحرص عليه أنظمة المنافسة وهو تقييم عمليات الاستحواذ والاندماج والمشاريع المشتركة التي ينتج عنها وضع مهيمن وفق المادة السادسة.
الاندماج والاستحواذ لا ينظر له على أنه مؤثر على المنافسة إلا إذا كان سينتج عنه وضع مهيمن وهو ما حددته اللائحة التنفيذية ب 40% من حجم "سلعة" معينة في "السوق"، لكن حتى مع وجود هذا الوضع المهيمن قد يسمح النظام باتمام العملية إذا كان من شأنها أن تعود بمنافع أكبر من المضار المتوقعة على المنافسة أو حالات تقديم ضمانات والتزامات للحصول على موافقة مشروطة كبيع حصة كبيرة تقلص من الوضعية المهيمنة في المستقبل.
الإشكالية أن اللائحة التنفيذية جعلت عبء الإثبات على المنشأة لتتأكد من أن العملية لا تصل إلى ال 40% من حجم "السلعة" في "السوق" وأنها إذا وصلت فعليها أن تبلغ مجلس المنافسة قبل ستين يوما وإلا فإنها ستعتبر مخالفة للنظام.
هنا سيحصل الكثير من الجدال حول ما إذا كانت العملية تصل لهذا الحد أو لا، لأن هذا يتبع آلية تعريف السلعة وهل الأطراف سيتبنون تعريفا محددا ضيقا أو واسعا شاملا للسلعة، وبالتالي صعوبة إيقاع ضبط آلية التبليغ لأن مل منشأة ستدعي أن العملية لم تصل لحد الـ 40% من التركيز الاقتصادي لسلعة معينة.
نعود للاستحواذ على وكالة ببسي التابعة للقصيبي من قبل شركة الجميح، فأول سؤال قبل الدخول في مناقشة المادة وتطبيقها على هذه العملية هو هل "بيبسي الجميح" و "بيبسي القصيبي" متنافسين حتى ينتج عن اندماجهم وضع مهيمن يضر بالمنافسة؟ ما هو وضع أنظمة المنافسة مع عقود الامتياز والوكالات التجارية؟ لكي نمنع الاستحواذ طبقا للمادة السادسة لابد من توافر ثلاث شروط.
الأول السيطرة على 40% من حجم "سلعة" في السوق، والثاني أن تؤدي هذه السيطرة إلى إعاقة منافسة فعالة أو محتملة في "السلعة" المعينة في "سوق" معين، والثالث أن لايقابل هذه الإعاقة للمنافسة مصلحة راجحة للمستهللك عن طريق تحسين الأداء للمنشأة وتقليل التكاليف التشغيلية التي ستنعكس على سعر السلعة.
وبالتالي يمكن القول أن النظام السعودي لا يمنع تكوين الوضعية المهيمنة بل يمنعها إذا كانت تؤثر على المنافسة الفعالة والمحتملة حسب ما جاء في القواعد المنظمة للتركز الاقتصادي الصادرة عن مجلس المنافسة ولأن النظام أعطى مجلس المنافسة الحق في الموافقة على حالات الاندماج والاستحواذ والمشاريع المشتركة التي ينتج عنها وضع مهيمن.
لذا فإنه لإصدار قرار من مجلس المنافسة بمنع استحواذ معين لا بد من البحث في عدة أمور. أولها قيام مجلس المنافسة باثبات أن العملية سينتج عنها وضع مهيمن (40% من الحصة السوقية المعروضة للسلعة وفق القيمة الإجمالية لآخر 12 شهر). يقتضي التأكد من أن الوضع المهيمن سيؤدي إلى إعاقة منافسة فعالة أو محتملة.
ولتحقيق ذلك يلزم مجلس المنافسة القيام بتعريف "السلعة" و"السوق" في كل حالة من حالات الاندماج والاستحواذ. "السلعة" في مثال القصيبي والجميح هل هي ببسي أو مشروبات غازية فقط أو مشروبات غازية وعصائر وألبان.
لأنه عند تعريف السلعة فيجب النظر إلى حاجة المستهلك من هذه السلعة وما هي البدائل المتوفرة لها فمثلا منتج بيبسي له بدائل كالكولا وارسي كولا وبقية المشروبات الغازية، كما أن العصائر والألبان قد تكون بديلا له.
أما تعريف السوق فينظر له من عدة جوانب منها المنطقة الجغرافية محل المنافسة وما إذا كانت المنشأتين متنافستين أو لا؟ أو بمعنى هل كانت سلعة المنافس تحد من قدرة المستحوذ على رفع الأسعار والتحكم في السوق؟ هل سينشئ هذا الشراء موانع لدخول السوق من قبل منافسين جدد؟ هل لدى المستهلكين القوة لمنع رفع الأسعار كالتحول لمنتج آخر يمنع المستحوذ من التحكم بالأسعار ورفعها؟ بعد ذلك إذا تبين للمجلس وجود وضع مهيمن وأن هذا الوضع سيؤثر على منافسة فعالة أو محتملة، فالمجلس سينتقل للنظر ومناقشة الأطراف عن فوائد هذا الاندماج أو الاستحواذ وما إذا كانت هذه الفوائد تبرر عملية الاستحواذ أو أن عملية الاستحواذ لها مبرر من الصالح العام، واتخاذ القرار في هذه الحالة يخضع لتقدير المجلس.
لم يذكر النظام إمكانية مناقشة المجلس للأطراف في إمكانية تقديم ضمانات مستقبلية لمنع الإضرار بالمنافسة المحتملة، وهذا لا يمنع المجلس من مناقشة مثل هذه الضمانات وهو ما نصت عليه القواعد المنظمة للتركز لاقتصادي بالنص على إمكانية إصدار قرار مشروط لأن النظام أعطى المجلس صلاحيات واسعة ضمن الخطوط العريضة للنظام التي تخضع لرقابة ديوان المظالم. الجدير بالذكر أن تحليل ومناقشة هذه الأجزاء يتبعها بلا شك اختلاف في جهات النظر بين المجلس وأطراف العملية يكون الفصل فيها لقضاء ديوان المظالم.
مقال شارح ووافي.. أشكرك أستاذ عبدالله.