بين الحين والحين يثار موضوع الصندوق السيادي للمملكة بصورة تنشط مع صدور الموازنة العامة..وكاتب هذه السطور يطمئن المطالبين به باتفاقه معهم في تكوين صناديق سيادية تماثل صناديق النرويج فضلاً عن صناديق دول الخليج.
لكني أستند لمعلومة قد لا تكون غائبة وهي أن المملكة تحتل المرتبة الثانية عالمياً في حجم الصناديق السيادية بأصول تبلغ (676) مليار دولار حسب تقرير معهد صناديق الثروة السيادية الذي يتخذ من واشنطن مقراً.
هذا يطرح سؤالاً.. أيهما أولاً زيادة أموال الصناديق السيادية أم الانفاق على الأولويات التنموية؟ ومع أني أدرك أنهم يتطلعون لتنويع أصول الصناديق واستثمارها في أصول خلاف السندات قليلة المخاطر إلا أن اختلافي معهم في التركيز على تعميق السعة الإنتاجية داخل الاقتصاد السعودي لتلبية الطلب الاستهلاكي في بعض المنتجات والخدمات على أمل تصدير الفائض لدول العالم لأن ذلك وحده يحقق لاقتصاد المملكة استدامة النمو والتنويع نفسه أو يجمع إليهما اقتصاد المعرفة.
أقول ذلك لأن النفط ما زال أهم مورد لاقتصاد المملكة وأقوله لطبيعة المال الحديث في الاقتصاد فالمال أشبه بقاعدة بيانات منه لثروة حقيقية خاصة في غياب تعزيز السعة الإنتاجية للإقتصاد المحلي ليلبي الطلب الاستهلاكي المتزايد فضلا عن التصدير للأسواق العالمية.
فهل وضع الاقتصاد المحلي حالياً يطابق هذا؟ إن كانت الإجابة بالنفي فإن المال الذي يتدفق على اقتصادنا المحلي سيكون إضافات في قاعدة بيانات تسجل دورياً بقوائم البنك المركزي كاحتياطي للاستهلاك.
لا أعتقد أن المطالبين بزيادة أصول الصناديق السيادية يريدون لاقتصادنا أن يستمر في هذا المنوال لأنه لا يحدث أثراً إيجابياً يعادل الأثر الذي تحدثه الإنتاجية الحقيقية فضلا أن السيولة المالية العالية التي قد تتدفق أرقامها بالموازنة وفي الاقتصاد المحلي لن تكون بلا أثر تضخمي سلبي وقد تحدث ثضخماً كميًا هذا استنتاج ولكنه يؤكده الأثر التضخمي الذي يحدثه الانفاق العام على مشاريع البنية التحتية الهامة فلان الانتاج المحلي لا ينمو بنفس معدلات هذا الانفاق فإن نسب التضخم تمتص إيجابيات الاستثمار في البنية التحتية، صحيح أن معدل التضخم المحلي معقول ولكن تظل الفكرة صحيحة بأن ارتفاع السيولة المالية في الاقتصاد مؤثرة إن ظلت قاعدة للبيانات والإحصاءات أو وظفت في العجوزات المستقبلية في الموازنة هذا لا يعني أن السيولة ليست بلا إيجابيات ولكن استخدامها بهذا المفهوم يجعلها قابلة للاستنزاف والنفاد بينما التوسع التنموي الحقيقي عبر الإنفاق العام وتفعيل إنتاجية القطاعات العامة يجعل النمو مستداماً في الاقتصاد المحلي ويدفع بالقطاع الخاص لقيادة الإنتاج ليلبي الطلب الاستهلاكي ويجذب استثمارات أجنبية متجددة وناقلة للمعرفة وهذا ما يرجح الحاجة للاتفاق على أولويات اقتصادية وتبني سياسات واضحة تقيم جدوى الخيارات البديلة مقارنة بزيادة أموال الصناديق السيادية وفي الاختلاف رحمة، كما يقول فقهاؤنا.
وما أدل على أهمية التحول للتفكير البديل الذي أنادي به، إلا أرقام موازنة 2014 الحالية فاستثمارات الصناديق السيادية السعودية لم تسهم فيها بصورة ترجح الآمال التي يدغدغ المطالبون بزيادتها العواطف. فلا يزال النفط يمثل 90% من ميزانية 2014 وهي نسبة تناقض التوجه الذي ظلت كل خطط التنمية الاقتصادية السعودية تتفاداه عبر التقليل التدريجي لهذه النسبة، بالتنويع وبالحد من الاعتماد على النفط باعتباره سلعة متقلبة ومرتبطة بأسواق يصعب التنبؤ بردود أفعاله.