إعلان العملة الخليجية الموحدة حلم راود كل خليجي لأنه يحمل فى ثناياه دلالات دينية تنطلق من عقيدتنا التي تحض على الوحدة لدرجة كاد التعاضد والتكافل أن يصيرا فريضة ،والتادبر والتفرق خطيئة قال تعالى: (إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً لست منهم في شيء) الأنعام159.
وتحقق الخطوة مصالح دنيوية فليس ثمة عاقل يرفضها لكن توحيد العملة الخليجية لابد أن تسبقه خطوات تعتبر الأساس للبناء فالترتيب المنطقي للأمور يمنع بناء السطح قبل الوصول بالبناء إلى السقف.
إن تجربة الاتحاد الأوربي دليل مادي على أهمية الخطوات التمهيدية في تأسيس وحدة اقتصادية ناجحة وهي تختلف عن الوحدة النقدية ولهذا البدء بالوحدة الجمركية لتصبح صفرية تُتقاسم إيراداتها بالنسبة والتناسب يعقبها حق المواطنين بحرية التنقل(بالقطار الخليجي) وبالسيارات وجوا وبحراً والحد من البيروقراطية وعراقيل التبادل التجاري وحماية الاستثمارات وحق التصنيع وإلزام كل اقتصاد بتقليل العجز الاقتصادي ثم تعديل أنظمة العمل ومنح حق العمل للمواطنين ثم توحيد السياسات المالية كخطوة أخيرة لتنازل الدول عن عملاتها لتتبني العملة الموحدة التي تلغي عملات الدول وتحكمها في نسبة الفائدة أو إصدار عملات خارج البنك المركزي لدول الخليج ..هذا التسلسل المنطقي اتبعته الدول الأوربية السبع عشرة وتنازلت عن عملاتها لصالح اليورو وأصبحت مستهلكة للعملة بدل إنتاجها، وعاب تجربتها تغافلها عن توحيد السياسات المالية فهي ليست مرشداً جيداً لدول التعاون في هذه الجزئية.
ولابد على مستوى التخطيط الاستباقي لاستمرارية الوحدة الاقتصادية التحوط من المفاجآت بتوسيع الرؤية لاستدامة قوة العملة الموحدة لأن قوة الدول من قوتها والعكس صحيح يستدعي هذا التخطيط لزيادة الإنتاجية لتصبح عملة المجلس عملة الدول العربية والدائرة الإسلامية بحيث تُكوِّن الدول العربية والإسلامية احتياطاتها بالعملة الخليجية وتتبادل بها دولياً واستقرار العملة يستدعي استباق أي مهددات مستقبلية قد تنال من الاستقرار أو ترفع تكلفة الموارد البشرية.
ومن الخيارات الالتفات للأسواق المجاورة كمداخل لتقوية مستقبل العملة الخليجية لأنها توفر موارد بشرية مدربة تساند الأيدي العاملة الوطنية وتقوي التنافسية لدول المجلس والوحدة النقدية، فعلى سبيل المثال أي نقص في الموارد البشرية يعالج بإبرام اتفاق يمنح تمييزاً إيجابياً لعمالة الدول المحيطة بدول الخليج وأهمها اليمن التي عرف شعبها بالبذل والعطاء وتميز بتقاربه لدرجة التماثل مع سكان دول الخليج، فمنح اليمنيين أفضلية يوسع سوق الوحدة الاقتصادية ويحقق الاستقرار لها .. كما يسد منافذ الهجرة غير الشرعية وليس من تأثير سلبي للخصوصية الثقافية لدول التعاون من اليمن فضلا أن اليمن سيجعل السوق تمتد من العقبة إلى المحيط الهندي جنوبا ويفتح باباً (للمسافنة) بين موانىء التخزين والنقل بالبحر الأحمر ولأفريقيا والهند شرقاً ودول آسيا الوسطى وروسيا.
واستقرار اليمن الاقتصادي جزء من تصور نجاح العملة الخليجية في ظل ما يفرزه الصراع المذهبي بالعراق ومحاولات تصديره لدول الإقليم واليمن فمنح أفضلية للأيدي العاملة اليمنية مدخل لإبطال أي مهدد اقتصادي يضر مستقبل الوحدة الاقتصادية وهو ترياق لكبح أثمان التهريج المذهبي المريض الذي أقعد موارد العراق الهائلة ويحاول تعطيل غيره خدمة لأغراض توسعية لدول أخرى.
إن فتح الأبواب للأفكار الاقتصادية الجديدة التي تساعد على إنجاح الاستراتيجيات يعني التدرج في الوصول للغايات ويعني اعتماد تجارب النجاح بفتح مناطق للتبادل الحر وإلى فتح الباب على مصراعيه لوحدة تقوي الصف وتحقق أمراً دينياً ودنيوياً (واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا).