تناولت في الأسبوع الماضي هذا الموضوع من زاوية أن التحسن في أداء بورصة قطر في النصف الثاني من العام الحالي قد لا يُكتب له الاستمرارية-وبنفس القوة- في العام 2014 باعتبار أن العوامل المسببة له كانت ذات طبيعة مؤقته في أغلبها، وأن تحقيق الديمومة في نمو السوق يتطلب مراجعة لمعطيات البورصة، وخاصة من حيث عدم الترخيص لشركات جديدة في السنوات الأربع الماضية، وعدم إدخال منتجات جديدة بخلاف الأسهم، والأذونات التي يقتصر تداولها على البنوك فقط.
وقد تصادف صدور المقال، مع إعلان مصرف قطر المركزي عن استراتيجية الجهات الرقابية لتطوير القطاع المالي، مع الخطة التنفيذية لذلك للفترة 2014-2016.
وتضمنت الاستراتيجية التأكيد على أن القطاع المالي القوي يساهم في استحداث الوظائف، ويشجع على الاستثمار في بيئة اقتصادية متنوعة ومنافسة، وأن ذلك يستلزم تحقيق ستة أهداف من بينها تعزيز الرقابة من خلال تطوير إطار عمل احترازي كلي يرتكز على المخاطر، وتوسيع الإشراف الاحترازي الكلي، وتشجيع التعاون الرقابي.
ويعني ما سبق أن الاستراتيجية تسعى إلى توحيد أسس ومعايير الرقابة على الجهات المختلفة في القطاع المالي مع بقاء إشراف ورقابة كل من الهيئات الثلاث على منتسبيها.
ويعني ذلك أن الوضع الراهن لسوق قطر المالي قد يستمر في المستقبل القريب على ما هو عليه دون حدوث تغيرات جوهرية في معطياته التي أشرت إليها في المقال السابق.
وقد تساءل معي بعض القراء عن سبب الجمود الهيكلي الذي يعانيه السوق المالي، ونشرت الشرق في نفس الأسبوع تحقيقاً صحفياً بعنوان: "غياب إدراج الشركات: الحدث الأبرز للبورصة في عام 2013.
ولإن عملية الترخيص بيد هيئة قطر للأسواق المالية، فإن السؤال عن التأخير بات موجهاً إليها لتقديم إجابات شافية للجمهور عن خططها في هذا المجال.
وقد حملت هذا التساؤل إلى بعض المسؤولين في جهات استثمارية لمعرفة وجهة نظرهم في الموضوع، وعن سبب عدم تفعيل قانون الوحدات الاستثمارية، طالما أن هيئة الأوراق المالية قد أقرت القانون ونشرته على موقعها.
وكان ظني بداية أن تلك الجهات غير راغبة أو مهتمة بالأمر، أو أنه يقع خارج اهتماماتها. وقد فوجئت بعكس ذلك تماماً وأن عدة جهات منها قد تقدمت بمشروعات من هذا القبيل للحصول على الترخيص من الهيئة، إلا أنها لم تحصل على الموافقة المطلوبة رغم مرور وقت طويل على طلب الترخيص.
والمشكلة في قانون إنشاء الوحدات الاستثمارية وإدراجها أنه يعطي الحق للهيئة في رفض طلبات الترخيص المقدمة إليها دون إبداء أسباب لذلك.
ومثل هذا النص يجعل الأمور معلقة لفترات طويلة، ويتسبب في حالة من الاحباط لدى المستثمرين لجهة عدم تعديل مقترحاتهم أو تطويرها بما يتناسب مع متطلبات الهيئة.
ويبدو استنتاجاً مما تقدم أن المعضلة الحقيقية التي تواجه تطوير سوق المال القطري تتمثل في جمع هيئة قطر للأسواق المالية بين صلاحيات الترخيص، وسلطة الرقابة والتفتيش على عمل الشركات المرخص لها بالتداول في بورصة قطر.
فذلك يجعل المفتش ينظر عادة بعين الريبة والشك لتصرفات الجهة التي يراقب أداءها، ومن ثم يُضعف ذلك من قدرته على منح التراخيص المطلوبة لجهات أخرى، ويفضل التريث لحين دراسة الأمور بروية وتدبر، وهو ما قد يطول أمره ويستغرق وقتاً طويلاً. وكلما زادت فترة البحث والدراسة، استجدت أمور أخرى فيطول الزمان ولا يقصر.
وقد يكون من المناسب النظر في فصل صلاحيات الترخيص لكافة المؤسسات المالية-بنوك وتأمين واستثمار وتمويل ووساطة- لجهة واحدة مستقلة تخضع لمجلس الإدارة الموحد للهيئات الثلاث.
وهذا الفصل يُسَرع من عمليات الترخيص للمؤسسات المالية بما يحقق الهدف الأسمى للاستراتيجية –المشار إليه في بداية هذا المقال- وهو خلق الوظائف والتشجيع على الاستثمار، وفقاً لما ورد في توجيهات حضرة صاحب السمو الأمير؛ الذي طالب في خطابه أمام مجلس الشورى بتفعيل دور القطاع الخاص وتقليص الحواجز التي تحول دون قيامه بالدور المطلوب منه في المساهمة بفعالية أكبر في تنمية الاقتصاد القطري.