أثار مقالي السابق (مستورة والحمد لله)؛ الذي تناول العلاقة بين المصرف وعملائه، سيلاً من التعليقات، ولكن ما لفت نظري "الشكوى" من سوء الخدمة التي تصل لدرجة (المعاناة) من الطريقة التي تقدم بها الخدمات المصرفية للعميل، وأدهشني حجم عدم الرضا والغضب على المصارف المحلية من طريقة تعاملها مع عملائها،وبالرغم من أن مقالي السابق كان يستهدف الاقتصاد والمخاطر الائتمانية على المستثمرين، إلا أن بعض القراء طلب منى تناول الموضوع، وبعضهم وجدها فرصة سانحة للهجوم على القطاع المصرفي؛ لدرجة وصف تعامل بعض البنوك مع عملائها على أنه تجرّع (الإهانة) اضطرارًا،
لقد أثار قارئ موضوع "التمييز السلبي بين العملاء" من حيث الدخول وحجم الأموال المودعة، وقال: "إن المصارف لا تميل لخدمة أصحاب الدخول المتواضعة، بل تحاول ما استطاعت إلى ذلك سبيلاً التخلص منهم، بينما توفر أنواعًا من الخدمة لأصحاب الإيداعات الكبيرة والحسابات الضخمة، وأود أن أؤكد هنا أن للقراء (سلطة) معنوية تمنحهم الحق في إثارة ما نتناول من موضوعات، وهو حق يلزم الكاتب بواجب المصارحة بما يتصوّره من حلول، والعلاقة بين الكاتب والقارئ ينبغي أن تكون "سالكة" من حيث التواصل بما يجعلها أفضل من علاقة المصرف وعميله، وهي علاقة خالية من (دسم) المنافع والمصالح المادية وتنهض برسالة قيمية وهي تعميم الوعي،
والسؤال الذي يطرح نفسه في هذه العلاقة (الجبرية) كما أسماها قارئ، هل يستطيع أي منّا أن يتعامل خارج إطار النظام المصرفي؟! أويحصل على الريال من دون مصارف؟! إن المصارف جزء من آلية اقتصادية متعارف عليها دولياً، وبالتالي خدماتها محليًا يجب أن تقوم على أساس معادلة واضحة (أفيدُ واستفيدُ)، ومعروف أن البنوك المركزية تحتكر حق إصدار العملة الوطنية وتنظيم التعامل بها، وفي سبيل تحقيق ذلك تعتمد الحكومة المركزية التعامل المصرفي، وتمنح البنوك الترخيص اللازم باعتبار خدماتها ضرورة لأي اقتصاد ولأي مواطن ومقيم، ولا شك أن الخدمات المصرفية ومنها خدمة العملاء أهم مصدر للنمو المالي وتعظيم الودائع والربحية،
إن الخدمة المصرفية كمفهوم وممارسة تتطور وتتجذر لتصبح ثقافة، ولكنها قبل أن تكون كذلك يفترض المرء أن تمر بمراحل يشتكى فيها الناس من تراجعها، ولكن التراجع إذا صار صفة ملازمة لخدمات المصرف لحد اعتبار المراجع (صفر) على الشمال؛ كما أشار لذلك أحد القراء، وكما يبدو واقع الأمر، فإن خيار العملاء الهروب.. وفي الحقيقة يعزي كثيرون تراجع ثقافة خدمة العملاء إلى قلة المنافسة وللأرباح السنوية العالية بالقطاع المصرفي المحلي، فمن يضمن الربح وعدم المنافسة لا يأبه لتحسين خدماته، وأرجو ألا تكون في هذا حمائية سلبية تؤدي لتردي خدمات العملاء، فإن حدث فإن الأسس التي تستند عليها المصارف المحلية بكل أسمائها ستهتز، وهي من الهشاشة بحيث ستتداعى مع أول شعاع منافسة خارجية، وحيث إن المملكة عضو في منظمة التجارة الدولية فإن المصارف العابرة للحدود لن يطول انتظارها حتى يُرخّص لها، لتُنافس محليًا، وسيكون تنافسها حامي الوطيس وعلى أساس الخدمة الأفضل، وعندها لن تنتهي شكوى القراء الذين يلحون عليَّ بطلب الحل، بل قد تصبح بعض المصارف أثرًا بعد عين، لأن حلبة المنافسة ستكون بين محمد علي كلاي في أيامه وبين ملاكم من الأزقة الشعبية، وحتى لا تلقى مصارفنا المحلية ذلك المصير، فإن على القطاع الحكومي عدم غض الطرف عن الشكوى بمراقبة عملها، وقياس رضا العملاء عن خدماتها.