الحاجة إلى السرعة: كيف تتمكن البنوك من مواكبة الوتيرة السريعة لنمو قطاع التقنية المالية

30/03/2023 0
عبد العزيز الدهمش

بتطور قطاع التقنية المالية ونضوج البنية التحتية التقنية للبنوك، نشهد شراكة وتعاوناً عالي المستوى بين القطاعين.

فعلى مدى السنوات القليلة الماضية، طلبت المؤسسات المالية الكبيرة مساعدة شركات التقنية المالية في إيجاد حلول مناسبة لتحديات محددة أو لتقديم خدمات مبتكرة لقطاعات معينة.

ونجح هذا التعاون لأن البنوك تحاول تقديم خدمات متعددة في وقت واحد، بينما تركز شركات التقنية المالية عادةً على حل تحدي معين بطريقة ذكية وباستخدام أحدث التكنلوجيا. وفي الوقت ذاته تستفيد شركات التقنية المالية من حجم البنوك وبنيتها التحتية وكذلك انتشارها لطرح المزيد من المنتجات والخدمات الجديدة.

ونجح هذا التعاون بالتعامل مع تحديات معقدة كان يصعب إيجاد حلول جذرية لها بطرق سريعة وقليلة التكلفة لاسيما لفئات محددة من العملاء.

واليوم، تنشط معظم البنوك في البحث عن شركات التقنية المالية للتعاون معها أو الاستثمار فيها، وأصبحت تهتم أيضاً بقنوات مختلفة، من أمثال حاضنات ومسرعات الأعمال الداخلية، وفتحت المجال لواجهات برمجة التطبيقات الخاصة بها.

تساعد هذه الاستثمارات البنوك على دعم نمو قطاع التقنية المالية والاستفادة في الوقت ذاته من الاستثمار وتطوير السوق.

الحاجة لتسريع الوتيرة

لكن الفصل التالي من القصة يكمن الآن في توسع البنوك إلى مناطق أكثر ابتكاراً حتى تتمكن من التحرك بوتيرة قطاع التقنية المالية. حقيقة الأمر أن التغيير في قطاع التقنية المالية يحدث بوتيرة سريعة مقارنة بالبنوك، علاوة على ذلك نحن نعيش في حالة من التغير الجذري المستمر.

لقد تضاعف عدد شركات التقنية المالية في منطقة أوروبا والشرق الأوسط وإفريقيا ثلاث مرات تقريباً بين عامي 2018 و2021، وفقاً لبيانات "ستاتيستا". 

ومحلياً، وعلى الرغم من انكماش معدل تمويل الشركات الناشئة على المستوى العالمي، استمر قطاع التقنية المالية في المملكة العربية السعودية في النمو.

وفقاً للتقرير السنوي لفنتك السعودية، وهي مبادرة أطلقها البنك المركزي السعودي، وصل عدد شركات التقنية المالية في السعودية 147 بزيادة قدرها 79% عن 2021 وتضاعف عدد شركات التقنية المالية بالمملكة بنحو 14.7 ضعفاً منذ عام 2018، مما يُظهر مدى سرعة نمو منظومة الشركات الناشئة في مجال التقنية المالية في غضون أربع سنوات فقط.   

وجمعت شركات التقنية المالية في المملكة العربية السعودية أكثر من مليار دولار على مدى السنوات الخمس الماضية، وسجل عام 2022 حجم تمويل أكثر من 367 مليون دولار، وهو أكبر مبلغ يحصل عليه القطاع حتى الآن. 

نهج البيئة التجريبية التنظيمية "Sandbox" 

تتمثل إحدى طرق الاستفادة من النمو في قطاع التقنية المالية في قيام البنوك بإنشاء بيئاتها التجريبية التنظيمية لدعم المنتجات المبتكرة بتشريعات ومتطلبات تنظيمية ذات ضوابط محددة لحماية السوق والمتعاملين فيه.

لا شك أن البيئة التجريبية التنظيمية التابعة للبنك المركزي السعودي ومختبر التقنية المالية "فنتك لاب" التابع لهيئة السوق المالية قد ساعدت على دفع عجلة التقدم في مجال التقنية المالية في المملكة.

وبإمكان البنوك تسريع الابتكار من خلال بيئاتها التجريبية التنظيمية لاختبار الأشياء وتجاوز الفشل السريع والتعلم والتقدم بوتيرة أسرع.

وبالإمكان مواصلة تكرار التجربة التنظيمية للبنك وتحسينها من خلال ردود فعل عملائه الحقيقيين لزيادة فرصة طرح منتجات مبتكرة ذات تجربة عميل مميزة وبسرعة للأسواق. 

حان الوقت للتركيز على العملاء

الميزة الأخرى للوصول إلى السوق سريعاً أنها توفر فرصة للتحسين من خلال تجربة العملاء المتكررة وكذلك وضع التصور بأن الشركة سباقة في الإبتكار. وتتمتع البنوك بمزايا متعددة في هذا المجال. فهي علامات تجارية موثوق بها، تخضع للحوكمة الصارمة والإجراءات الصحيحة، ولديها قدرة عالية على إدارة المخاطر ولهذا تتمتع بعلاقات طويلة الأمد مع عدد ضخم من العملاء.

وتعزيز قدرات الخدمات المصرفية الرقمية يُعد أمراً هاماً للتأكد من تحلي هذه القنوات من المرونة والسرعة في التغيير، بالإضافة إلى طلبلها العمل الدؤوب للتأكد من تقديم تجربة عميل مميزة من جميع القنوات الرقمية ومن خلال حياة العميل، بدءاً من انضمامه وحصوله على الخدمة وصولاً إلى خدمة ما بعد البيع.

تعزيز الخدمات المصرفية المفتوحة

يتألف الإطار التنظيمي للمصرفية المفتوحة للبنك المركزي السعودي من مجموعة شاملة من التشريعات والإرشادات التنظيمية والمعايير الفنية لتمكين البنوك وشركات التقنية المالية من تقديم خدمات مصرفية مفتوحة.

ويسعى الإطار التنظيمي للمصرفية المفتوحة إلى تبني جميع البنوك في المملكة للخدمات المصرفية المفتوحة، وهي خطوة تعد جزءاً من استراتيجية فنتك السعودية الطموحة، وهي مبادرة وطنية تسعى لأن تصبح المملكة واحدة من الدول الرائدة ووجهة للابتكار في قطاع التقنية المالية.

يبلغ تعداد سكان المملكة العربية السعودية ما يقرب من 35 مليون نسمة، منهم نحو 65% تقل أعمارهم عن 30 عاماً، ويتمتعون بأحد أعلى معدلات تبني التقنية المالية في المنطقة.    

ووفقاً للمسح الوطني للتقنية المالية لفنتك السعودية، فإن 74% من الأفراد لديهم خبرة في استخدام حل واحد على الأقل من حلول التقنية المالية، وقد قفزت قيم معاملات التقنية المالية بأكثر من 18% بين عامي 2017 و2019 سنوياً، لتصل إلى أكثر من 20 مليار دولار في عام 2019. ومن المتوقع أن تتجاوز 33 مليار دولار في عام 2023.  

مسح آخر وجد أن 82% من المستهلكين السعوديين يستخدمون خدمة مصرفية رقمية مرة واحدة على الأقل في الأسبوع، وأن 88% من الناس يفضلون الخدمات المصرفية الرقمية على زيارة الفرع شخصياً.  

في ظل خطط الحكومة لمضاعفة عدد شركات التقنية المالية في المملكة ثلاث مرات بحلول عام 2025 وتحويل الرياض إلى عاصمة عالمية للتقنية المالية ، أرى أن شركات التقنية المالية في المملكة تتسابق لتقديم نماذج أعمال جديدة مخصصة للسوق السعودي.

في المحصلة أرى أن التحرك السريع بوتيرة مماثلة لشركات التقنية المالية هو السبيل الوحيد لاكتساب البنوك الميزة التنافسية لاجتذاب فئات أوسع من العملاء في المملكة.

 

 

خاص_الفابيتا