تطالعنا الصحف و المواقع الإلكترونية المهتمة عن قانون ظلنا زمانه ( أو كما نتمنى هذا ) ينظم ممارسات صناعة التمويل الأصغر و متناهي الصغر في مصر و للحقيقة فلقد توالت مرات الحديث عن سن هذا القانون منذ حكم مبارك ثم بعده جاء من حكم ثم ذهب ثم جاء من حكم ثم ذهب و لم ننعم بسن هذا القانون المنتظر .
علي العموم فلقد جاءت الأنباء كما صرح موقع المال بمقال بتاريخ 20 أكتوبر بما يلي ( قال شريف سامى رئيس الهيئة العامة للرقابة المالية إن الهيئة انتهت من إعداد مشروع قانون التمويل المتناهى الصغر و أشار سامى إلى أن أبرز ملامح القانون تتمثل فى تنظيم الشركات الراغبة فى الحصول على رخصة نشاط التمويل متناهى الصغر وأن تكون فى شكل شركات مساهمة وتمتنع عن تلقى الودائع لأن ذلك هو دور البنوك .
وأشار إلى أن الهيئة ترغب فى جعل القانون أكثر مرونة من خلال عدم النص على معايير الملاءة المالية به على أن تقوم بذكرها بشكل منفصل فى اللائحة وذلك حتى تتمكن من صياغتها وتغييرها بشكل مرن وفقاً لأوضاع السوق موضحاً أن الرقابة المالية ترغب فى أن يكون القانون قليل المواد و أن يتيح لها وضع قواعد تفصيلية تتسم بدرجة من المرونة ) .
إن الحديث عن قانون منظم لمزاولة نشاط التمويل الأصغر و متناهي الصغر في مصر ليس بالجديد فلقد قامت الهيئة العامة للرقابة المالية في نوفمبر عام 2010 بطرح مسودة مشروع القواعد العامة لشركات التمويل المتناهي الصغر للمناقشة وكان هذا المشروع مكون من اثنتين وعشرين مادة رسمت قواعد إدارة و تشغيل شركات التمويل المتناهي الصغر والخدمات المالية والأنشطة التشغيلية المسموح بها و قواعد الملكية والإدارة لتلك الشركات وقواعد احتجاز مخصصات القروض المشكوك في تحصيلها ومتطلبات الإفصاح والإشراف وما إلي ذلك من المواد القانونية التي تحكم مزاولة النشاط وبالرغم مما قابلته تلك المسودة من انتقادات القائمين علي الصناعة في مصر آن ذاك فأنها كانت الخطوة الوحيدة التي تم اتخاذها لتنظيم البيئة القانونية لعمل مؤسسات التمويل المتناهي الصغر في مصر ومع ذلك فلقد توقفت المناقشات حول مسودة القانون بسبب أحداث ثورة 25 يناير المجيدة .
وبتقييم الوضع الحالي لمؤسسات صناعة التمويل الأصغر المصرية نجد أنه يوجد في مصر عدد يقارب من 500 كيان يقدم خدمات الاقراض الصغير ومتناهي الصغر يسيطر عدد قليل منها لا يتعدى 10 مؤسسات علي حصة تقارب من 85% من اجمالي السوق من حيث الإنتشار و في الغالب فإن الشكل القانوني المؤسسي لتلك المؤسسات هو جمعيات أهلية مثال جمعية رجال الأعمال بالدقهليه و الاسكندرية واسيوط و مؤسسة الليد و التضامن و قد تم إنشائها جميعاً بالتعاون مع الجهات المانحة بغرض تنمية المجتمع المحلي وتعمل تلك الجمعيات تحت مظلة قانون الجمعيات الأهلية رقم 84 لسنة 2002 وهذا القانون في نصوصه مقيد عمل تلك الجمعيات لما لها من طبيعة مالية خاصة لا تتوافر بباقي الجمعيات الأهلية ذو الأنشطة المختلفة هذا بخلاف شركتي اقراض و هما ريفي و تنمية و بنك القاهره .
حيث يمنع ذلك القانون تلك المؤسسات الأهلية من تقديم خدمات التمويل الأصغر الأخري بجانب القروض متناهية الصغر هذا بالرغم من ان المتعارف عليه حسب قواعد الصناعة العالمية ( حيث ان صناعة التمويل متناهي الصغر هي صناعة عالمية و ليست مبتكر عربي ) أن تلك الخدمات ذو أهمية بمكان لخدمة الفئات المستهدفة من الفقراء و من أهم تلك الخدمات الادخار و التأمين الأصغر كما أن القانون يفرض الكثير من العراقيل للحصول علي تمويل من الجهات المانحة ومن الطريف أيضاً أن القانون يلزم المؤسسة بمسك دفاتر الحسابات اليدوية للنفقات والإيرادات ومثل هذا الإلزام لا يتفق مع معايير إعداد التقارير المتعارف عليها عالميًا وحتي لا يناسب النظام الإليكتروني المتبع في مؤسسات التمويل الأصغر الكبيرة في مصر .
و بسبب البيئة التشريعية المقيدة لمزاولة نشاط التمويل متناهي الصغر كما تم العرض أعلاه إقتنعت جميع الأطراف المعنية بالصناعة بضرورة سن قانون جديد يحكم مزاولة أنشطة الصناعة و لكن أكثر ما أخشاه هو أن يتم سن هذا القانون بمعزل عن ممارسي الصناعة فيكون ضره أكثر من نفعه للصناعة و لهذا أهمس بأذن من يقوم الآن بسن هذا القانون المنتظر و أقول لهم إن لكل صناعة أربابها فلا ضير أبداً ان نلجأ إليهم حتي ننتج منتج يساعد في التنمية الإقتصادية للوطن وعليه فإني اتصور بأنه يجب الاسراع بتكوين لجنة من القائمين علي الصناعة مكونة من الممارسين فعلاً والجهات المعنية بالصناعة يكون همها هو سن و صياغة القانون المنتظر و العمل علي أن يكون بنوده نافعه ة تخدم واقع الصناعة في مصر.
كما يستوجب واقع الصناعة في مصر أن يضم هذا القانون آلية واضحة وصريحة ومنصوص عليها في بنوده تفيد تحول الجمعيات الأهلية الموجودة فعلا إلي كيانات مالية يمكنها امتلاك أسهم في شركات التمويل الأصغر والحصول على أرباح ولن يكون هناك تناقص مع قانون المنظمات غير الحكومية لأنه لا يمنع المنظمات غير الحكومية صراحة من امتلاك أسهم في الشركات التجارية.
وعلي الحكومة أيضا تكوين هيكل إداري مؤهل للرقابة علي تلك المؤسسات بصرف النظر عن إبقاء تبعيتها لوزارة التضامن أو نقل تبعيتها إلي جهة أخري الأهم هو أن يكون موظفي تلك الجهة علي دراية كاملة ومهنية عالية وفهم لطبيعة عمل مؤسسات التمويل الأصغر ففي حقيقه الأمر تعاني مؤسسات التمويل الأصغر في مصر من قلة خبرة موظفي وزارة التضامن المشرفين عليهم من قبل الحكومة.
كما أن نصوص هذا القانون يجب أن تساعد علي تهيئة الوضع العام لدخول المستثمرين الاجتماعيين الأجانب في السوق المصرية ويحفزهم علي ذلك ويجب أيضا أن يمكن هذا القانون مؤسسات التمويل الأصغر من تقديم خدمات التمويل الأصغر كاملة بما فيها الإدخار كما أرجو ألا يأثر ما يقال عن التمويل الأجنبي و قول ان كل من يحصل علي تمويل أجنبي كذا و كذا ( غافلين ان طبيعة تلك الصناعة في العالم كله تقوم في الأساس علي مساعدات و منح من الجهات المانجة ) بالسلب علي صياغة ذلك القانون فيزيد القانون الجديد من العراقيل التي تمنع مؤسسات الصناعة من الحصول علي مصادر التمويل فإن الجهات المانحة هي جزء أساسي في تمويل الصناعة علي مستوي العالم كلة ومن المهم جدا للصناعة في مصر تهيئة الوضع المناسب لجذب روؤس الاموال الأجنبية و الجهات المانحه للاستثمار الاجتماعي بها وبذكر مصادر التمويل أتمني أيضاً أن يعمل القانون الجديد علي تسهيل المعاملات المصرفية لتلك المؤسسات من حيث حصولها علي تمويل تجاري .
وأخيراً فإن سن القوانين في العالم أجمع يعمل علي معالجة المشاكل التي توجد علي أرض الواقع وهذا ما أتمناه من القانون الجديد لصناعة التمويل الأصغر في مصر.