كلنا يفترض القناعة بالقول: إن العلاقة بين المصرف وعميله يجب أن تقوم على أساس معادلة مالية تحكمها أنظمة شفافة وراسخة تتفق مع المعايير المتعارف عليها محليا ودولياً.
وعلى أساس لا ضرر ولا ضرار، وعميل المصرف قد يكون فرداً أو شركة أو حكومة مركزية.
والعلاقة بين الطرفين بحسب توثيق التاريخ الاقتصادي نشأت من تبادل تجاري بدائي عبر السلع كوسيط بين طرفي المصلحة، ولكن التبادل حينها كان بكميات أصغر، واستدعى مرور الزمن تطوير العلاقة لتكون على أساس السمعة الحسنة للعميل، وفيها يتعهد العميل لصاحب متجر أو مصنع أو مخبز بأن يُسدِّد له مستقبلاً القيمة المعادلة لما أخذ، سواء كان خبزاً أو غيره، وبالمثل يعطي صاحب المتجر مالك المصنع أو المخبز تعهداً مكتوباً أو التزاماً أخلاقياً للوفاء بما ترتب عليه من قيمة سلع أخذها.
لقد استلفت المصارف صيغة التعامل هذه وكرستها بينها وبين عملائها، ثم تفوّقت على غيرها باستخدام السمعة الحسنة كضامن للعلاقة بينها والعميل، لكن كان العميل في بعض الأحيان عرضة للاستغلال، ولهذا طوّرت المجتمعات أنظمة عزّزت من الضمانات وقلَّلت المخاطر على الالتزامات المالية.
والسمعة الحسنة في الاقتصاد الأمريكي تعتبر جزءاً من التعامل المالي، ولكن مع أهميتها ظلت أخلاقية أكثر منها قانونية.
لهذا حدث تغيير جذري في آليات تعامل المصارف الأمريكية وغيرها مع عملائها، وهو تغيّر طوّر من آليات التفكير، سواءً من قِبَل العميل أو المستثمرين أو الحكومات نفسها.
وكأي تغيير علمي انعكس إيجاباً على علم المال بحيث صحّح المسار وقلّل من مخاطر التعامل لأدنى درجة ممكنة، يؤكد ذلك حين تبخّرت فقاعة العقارات بالأسواق الأمريكية، مع أنها كانت درساً وأن أكثر الضحايا أفراد عاديون، ولكن بعدها صار ميل المصارف الأمريكية للاستثمار في الأصول عديمة المخاطر، وها هو الزمن يُوضِّح أن تراجع السمعة الحسنة يطال الحكومات، كاليونانية والبرتغالية وحكومة قبرص، التى أضحت عرضة لمخاطر الإفلاس تماماً كما في حال العميل الفرد، بل إن اقتصاديات راسخة مثل الاقتصاد الأمريكي أصبح عرضة لمخاطر أهواء التيارات الحزبية التي حاولت منع حكومة أوباما من زيادة سقف الاستدانة.
هذا الواقع المعقّد مقروءاً مع اهتزاز الثقة؛ فرض على الإنسان ابتداع وسائل جديدة تستند لمقاييس تقييم الائتمان، بحيث تنصح العميل بضرورة إعادة التفكير في مجالات الاستثمار بما فيها الأصول الحكومية نفسها، لأنها لم تعد مأمونة، فالثقة اهتزّت فيها، والحكومات نفسها.
وقد لا يطول بنا الزمن حتى نسأل بعضنا البعض عن درجة مخاطر الدول وخصوصاً أصولها التي تطرحها في الأسواق، لأنها باتت لا تستطيع الوفاء للمصرف أو المستثمر، وهذا تلقائيا يترك أثره السلبي على السمعة الحسنة، وقد يمتد للعلاقة بين البنك وعميله أو بينه وبين الحكومات الخارجية وهو تطور أثار مخاوف بلا أول أو آخر، ليشمل مورّدين وشركاء آخرين في قطاع المال والأعمال والتأمين.
وخلاصة القول أنه اذا اهتزت الثقة بين العميل ومصرفه، فإن استعادتها لن ينفع معها إصدار المزيد من الأنظمة، أو إخفاؤها بتعابيرنا الدارجة (مستورة).
لأن العلاقات المالية حسّاسة ولا تعزز إلا بالشفافية، وإلا فضحت نفسها بأن جيب العميل خالي الوفاض. ودرس اهتزاز الثقة في كل القطاعات يستدعي دوراً ما للحكومات المركزية لتكون شريكاً في أسهم المصارف لكبح جماح طمعها وحماية العميل وحمايتها هي نفسها من التوسع في عملياتها الائتمانية، التي لا تكلفها سوى قيد على شاشات أجهزة الحاسب الآلي.