القمم التاريخية تصنع المستقبل

12/12/2022 0
د. عبدالله الردادي

انتهت قمم الرياض بالإعلان عن اتفاقيات تعدت الثلاثين اتفاقية بين السعودية والصين، في قطاعات متعددة، وبرؤية متفائلة نحو مستقبل العلاقة بين الصين والدول العربية، هذه الرؤية المتفائلة هي ناتج لما حدث من نجاحات خلال الثلاثة عقود الماضية بين السعودية والصين، حيث تضاعفت الشراكة التجارية بينهما أكثر من 200 ضعف منذ بداية التسعينات الميلادية وحتى هذا الوقت. كما أن هذا التفاؤل ينبعث من وضوح المصالح المشتركة التي تدعم توجهات الصين والدول العربية، وبالاحترام المتبادل للاختلافات بين هذه الدول.

نمو العلاقة بين السعودية والصين هو ناتج مباشر للرغبة السياسية في تقوية الروابط الاقتصادية، ويمكن رؤية أثر الزيارات عالية المستوى بين البلدين في التبادل التجاري خلال سنوات قليلة، فقُبيل زيارة الملك عبد الله رحمه الله إلى الصين عام 2006، لم يزد التبادل التجاري بين البلدين على 15 مليار دولار، ولكن السنوات التي تلت ذلك شهدت تسارعا في النمو بين البلدين، حتى إن التبادل التجاري وصل حين زيارة الملك سلمان حفظه الله إلى الصين عام 2017 إلى قرابة 48 مليار دولار. وفي جولته الآسيوية عام 2019، زار ولي العهد السعودي الصين، وشهدت هذه الزيارة توقيع اتفاقيات عديدة زادت قيمتها على 28 مليار دولار. نتيجة العمل خلال السنوات الأخيرة (منذ 2017 إلى 2021) اتضحت بزيادة التبادل التجاري بنسبة 85 في المائة خلال أربع سنوات ليصل إلى 87 مليار دولار. معرفة هذه الأرقام مهمة، لأنها خريطة مستقبل العلاقة بين البلدين في السنوات المقبلة، فنتيجة زيادة التبادل التجاري بهذه النسبة هي دليل نجاح الزيارات السابقة، وهي تبيّن مدى إمكانية نجاح الزيارة الحالية.

هذه الزيارة تطمح إلى توسيع نطاق الشراكة التي تم توقيعها في عام 2016 إبان زيارة الرئيس الصيني للمملكة، لتصبح شراكة استراتيجية بين بلدين يؤمنان بأهمية شراكتهما، ويؤمنان أن الشراكة الاستراتيجية تمتد لما هو أكثر من التبادل التجاري. وبشكل عام، فإن نطاق هذه الشراكة سيتوسع ليتضمن قطاعات عديدة مثل الطاقة المتجددة بأنواعها وتقنية المعلومات والخدمات السحابية واللوجيستية والصناعات الطبية والصناعات المتعلقة بالإسكان. هذه الشراكات وُثقت باتفاقيات ربت قيمتها على 30 مليار دولار، أي أن شراكة المائة مليار ليست ببعيدة المدى، وقد تتحقق خلال السنوات القليلة القادمة.

وما يعزز نظرة الشراكة الاستراتيجية، ما أعلن عن مواءمة «رؤية المملكة 2030» مع طريق الحرير الجديد (مبادرة الحزام والطريق)، وجاءت هذه المواءمة في توقيت مناسب، ذلك أن المملكة أعلنت قبل أشهر قليلة عن مبادرة سلاسل الإمداد العالمية، والتي تهدف إلى تعزيز موقع المملكة في سلاسل الإمداد حول العالم. لدى البلدين الكثير لإضافته في هذا القطاع، فموقع المملكة الجغرافي مناسب تماما لمبادرة الحزام والطريق، وانضمامها إلى هذه المبادرة يعزز من نجاحها، كما أن المملكة تنوي بالفعل الاستثمار في هذا القطاع بإعلانها استراتيجية سلاسل الإمداد، بما في ذلك من توفير الأدوات اللازمة والحاسمة للارتقاء بمكانتها في هذا القطاع. أما الصين فلديها خبرة السنوات الماضية في الاستثمار في طريق الحرير مع العديد من الدول، ووجودها يعني اختصار الكثير من الوقت في الارتقاء بالخدمات اللوجيستية. كما أن لديها العديد من التقنيات الجوهرية في الجيل القادم من الخدمات اللوجيستية، مثل تقنية المعلومات والخدمات اللوجيستية والبنى التحتية الرقمية، ولعل توقيع شركة هواوي لبناء مراكز بيانات ومجمعات ذات تقنية عالية يكون مهما في هذه الشراكة. كما أن أحد أشد العوامل أهمية بالنسبة للصين في الشراكة مع المملكة في هذا المجال، هو تأمين حليف ذي موقع جغرافي متميز في وقت تتكالب فيه العديد من الدول على الصين لتحوير سلاسل الإمداد عنها إلى دول مجاورة لها.

ليس من المبالغة تسمية القمم المنعقدة خلال زيارة الرئيس الصيني بالقمم التاريخية، فهذه الأحداث هي ما تصنع المستقبل للمنطقة، والشراكات التي تُبنى على احترام متبادل بين الدول، وعلى المصالح المشتركة التي تحقق المكاسب لجميع الأطراف، هي ما يمكن أن يعوّل عليها في وقت تتزايد فيه النزاعات بسبب اختلاف القيم. وجود هذه المصالح الاقتصادية داعم مهم للاستقرار، وهو الطريق الأمثل نحو تكامل الدول وخلق نظام يحقق الازدهار ورفاهية الشعوب، وهو ما تهدف له السعودية والصين في رؤيتهما للمستقبل. ويمكن القول إن هذه القمة نجحت في رسم خريطة الطريق للعلاقة بين الصين والدول العربية خلال السنوات القادمة، بما يحقق مصالح الجميع، ويحترم في ذلك الوقت سيادة هذه الدول وقيمها.

 

 

نقلا عن الشرق الأوسط