كتبت قبل شهر مقالين عن موضوع التضخم في قطر وكيف أنه قد عاد إلى الانخفاض في الشهور الأخيرة بعد أن وصل إلى مستوى 3.7% في شهر إبريل الماضي. وقد أثار الموضوع يومها انتباه الكثير من القراء، وخاصة أن ما يلمسونه في واقع الحياة هو تزايد تكلفة المعيشة بوتيرة عالية تفوق ما يسجله المؤشر من ارتفاعات محدودة ومتناقصة- أي كون الزيادة نفسها في حالة انخفاض شهر بعد آخر-.
ولأن معدل التضخم الذي تم الإعلان عنه قبل أيام قد انخفض مجدداً إلى 2.7% لشهر سبتمبر مقارنة بـ 2.8% في الشهر السابق أغسطس، فإن الأمر بات يستدعي كتابة مقال ثالث لمتابعة ما استجد، خاصة وأن هناك حالة من القلق تستشري الآن بين المقيمين بالذات على مستقبل معدلات الإيجار.
ولو طالعنا الجدول الذي نشرته وزارة التخطيط لوجدنا أن معظم الزيادة في الأسعار(أي إلـ 2.7%) قد جاءت من بندين رئيسيين هما الإيجار بنسبة زيادة 6.1%، ومجموعة التسلية والترفيه والثقافة بنسبة 9.1%، مع كون هاتان المجموعتان تشكلان 43% من سلة إنفاق المستهلك في المتوسط، بينما كانت الزيادات على أسعار بقية المجموعات محدودة وهي 0.7% في مجموعة الغذاء والمشروبات، و 0.5% في مجموعة النقل والاتصالات و 0.3% في مجموعة الملابس والأحذية، وهي في مجموعها تشكل من حيث الوزن النسبي 39.5% من وزن سلة الإنفاق.
كما أن مجموعة السلع المتفرقة –ومن بينها الذهب- قد شهدت انخفاضاً بنسبة 4.5%. هذا الانخفاض الأخير، والزيادات المحدودة قبله قد جعلت المعدل العام للتضخم يرتفع بـ 2.7% فقط في شهر سبتمبر، وهو أدنى معدل هذا العام فضلاً عن أنه من أقل المعدلات المقبولة عالمياً، وهو أمر جيد.
ومع ذلك فإن هناك من يشكك في مدى تمثيل هذا الرقم لتكلفة المعيشة في قطر، وذلك من واقع ما باتوا يواجهونه من عدم كفاية المرتبات لمواجهة مستلزمات الحياة.
وأكثر ما يثير القلق في موضوع تكلفة المعيشة هو الزيادة المضطردة في معدلات الإيجارات هذا العام، بحيث بات إيجار الوحدة السكنية الواحدة يشكل ما بين 50-70% من دخل الأسرة، وليس 32.2% كما في مؤشر التضخم. فإيجار الفيلا يزيد عن عشرة آلاف، والشقة عن 7 الآف في المتوسط، مع الأخذ بعين الاعتبار مستوى الجودة والمواءمة للاحتياجات من حيث عدد الغرف والمنافع ومدى القرب من مكان العمل ومن الأسواق.
ومما يزيد من حالة القلق لدى المستأجرين غياب قانون الإيجارات الذي عمل في فترة سابقة على ضبط الزيادات السنوية وتنظيمها.
وهذا الغياب يضع المستأجر تحت رحمة ما يقرره المالك، بما يشيع حالة من عدم الاستقرار على المستقبل.
وهكذا فإنه في حين يستمر المعدل الرسمي للتضخم في تراجعه شهراً بعد شهر، فإن واقع الحال من حيث تكلفة المعيشة يشير إلى عكس ذلك.
ولأن الزيادة تأتي غالباً من مجموعة الإيجارات، فإن تأثير هذه الزيادة لا يقتصر على الإيجارات وحدها، بل يمتد لبعض الفئات الأخرى، وذلك نظراً لأن مقدمي ومنتجي السلع والخدمات الأخرى يعمدون إلى رفع أسعار منتجاتهم للتعويض عما لحقهم من زيادات في الإيجارات لهم ولموظفيهم.
وهناك بنود أخرى في تكلفة المعيشة لا يقيسها المؤشر على ما يبدو ومنها غرامات المرور التي تتحملها الأسرة عن سائق أو أكثر فيها، أو غرامات التأخير في تجديد الإقامات. وقد ارتفعت تكاليف العناية الطبية ولم تعد تمثل 2.5% فقط من سلة نفقات الأسرة الشهرية.
ومن الواضح أن الزيادة غير المتوقعة في تكلفة المعيشة ناتجة عن الزيادة المتسارعة في عدد السكان، حيث تشير أرقام الإحصاء إلى ارتفاع عدد السكان إلى أكثر من 2 مليون نسمة مع نهاية شهر سبتمبر، مع حدوث قفزة في معدل النمو السكاني إلى 10.3%، رغم أن معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي كان هذا العام في حدود 6% فقط.
والموضوع لا يزال بحاجة لمزيد من المتابعة والتحليل على ضوء ما يصدر من أرقام وبيانات في الأسابيع القادمة، ولكني أختم بالقول إن التباين الحاد في مستويات دخول الأسر يجعل الرقم القياسي للأسعار –وهو رقم متوسط- لا يعكس تأثير التغيرات السعرية بشكل عادل مما قد يستدعي تفصيليه في رقمين عامين أو أكثر للفئات المختلفة من الدخل.