ما يحدث في الولايات المتحدة من تبدلات في السياسة والاقتصاد يؤثر ولا شك في جميع أنحاء العالم ومنها منطقة الشرق الأوسط والخليج العربي.
ولذلك نجد أنه عندما ينتعش الاقتصاد الامريكي تدب الحياة في أوصال اقتصادات العالم وتنتعش، بينما اذا حدث تباطؤ في النمو فإن علامات الإضطراب والتراجع تنتشر في معظم تلك الاقتصادات.
والسبب في هذا الترابط العضوي مع الاقتصاد الأمريكي عائد إلى كونه أكبر اقتصاد في العالم بناتج محلي سنوي يزيد عن 15 تريليون دولار، مع كونه اقتصاد حر ومفتوح على العالم، إضافة إلى أن الدولار الأمريكي يمثل عملة التداول الأولى عالمياً، مع خصوصية ربط سعر صرف الريال القطري به.
وعلى مدى الأسابيع الثلاثة الماضية كانت الولايات المتحدة تواجه للمرة الثالثة في تاريخها معضلة جوهرية تتمثل في وصول مستويات الدين العام الأمريكي إلى السقف الذي لا يمكن بعده الاقتراض من أجل تمويل نفقات الحكومة، إلا بتشريع جديد.
وعلى عكس المرة السابقة قبل عامين عندما تمكن الكونجرس الأمريكي من التوصل إلى اتفاق في اللحظات الأخيرة يمنع حدوث توقف في أنشطة الحكومة، فإن الخلاف بين الحزبين الكبيرين قد احتدم هذه المرة، مما أدى إلى توقف بعض الخدمات المؤقته، وذهب موظفو تلك الخدمات في إجازة إجبارية.
وقد استمر هذا الحال لمدة تزيد عن أسبوعين حتى أضطر الجمهوريون إلى التراجع عن تصلبهم ووافقوا على تمرير قانون مؤقت يجيز استمرار الخدمات الحكومية لمدة ثلاثة شهور إضافية لحين التوصل إلى اتفاق دائم.
وبمجرد التوصل إلى الاتفاق فإن مؤشرات أسواق المال الأمريكية قد انتعشت وارتفع مؤشر داو جونز على سبيل المثال إلى نحو 15373 نقطة بعد أن كان قد فقد أكثر من 500 نقطة في الأسبوعين الماضيين.
كما تماسك سعر صرف الدولار الأمريكي بعد انخفاضه في الآونة الأخيرة بأكثر من 2.5% أمام كل من الين واليورو.
وهذه النتائج ستنعكس إيجاباً في الغالب على أسواق المال العالمية ومنها بورصة قطر؛ فتساعدها على إنهاء عام 2013 بمستويات أعلى لمؤشراتها، كما يساعد ذلك على احتفاظ الريال القطري المرتبط بالدولار بقوته الشرائية المرتفعة التي اكتسبها خلال هذا العام.
وبمناسبة الحديث عن هذا الموضوع أشير إلى أن إدارة الرئيس الديمقراطي أوباما قد نجحت بعد 5 سنوات من استلامها الحكم من الرئيس الجمهوري جورج بوش الإبن في إنقاذ الاقتصاد الأمريكي من الأزمة المالية المخيفة التي حدثت بين عامي 2008-2009 بحيث عاد النمو للاقتصاد بعد الركود، وانخفض معدل البطالة إلى 7.3% وهو أدنى مستوى في 5 سنوات.
وقد حدث ذلك نتيجة تنفيذه جملة من السياسات المالية والاقتصادية والعسكرية، والتزامه بعدم التورط في حروب جديدة مهما كانت الدوافع، مع انسحاب قواته التدريجي من أفغانستان والعراق.
ومن جهة أخرى عملت إدارة أوباما على تنفيذ عدد من السياسات المتصلة بالطاقة لتقليل اعتماد الولايات المتحدة على النفط المستورد من الخارج، وقد نجحت هذه السياسات في رفع الانتاج المحلي من الأنواع المختلفة للوقود بما فيها النفط الخام والنفط الصخري، وسوائل الغاز إلى مستوى 12.1 مليون برميل يومياً وهو ما يجعل الولايات المتحدة تتبوأ المركز الأول عالميا متفوقة بذلك على السعودية وروسيا.
وهذا النجاح في مجال الطاقة ساعد على بقاء سعر برميل نفط الأوبك مستقراً فوق مستوى 100 دولار للبرميل، رغم ما شهده العالم في العامين الأخيرين من تراجع في امدادات النفط من إيران وسوريا وليبيا لأسباب مختلفة.
فإذا أضفنا إلى ما سبق، جهود البحث عن أرضية مشتركة للاتفاق مع النظام الإيراني الإصلاحي الجديد في مختلف القضايا العالقة بما فيها ملفها النووي، والوضع في سوريا وربما العراق، فإن ذلك سيفتح الباب في العام 2014 على إمكانية زيادة انتاج إيران والعراق من النفط، وهو ما سيضغط غالباً على سعر برميل نفط الأوبك إلى ما دون المائة دولار للبرميل.
وذلك يصب في مصلحة الاقتصاد الأمريكي والأوروبي والياباني وبقية الاقتصادات الأخرى التي تضررت بشكل إضافي بسبب ارتفاع أسعار النفط، وإن كان ذلك سيقلص من الفوائض المالية التي تمتعت بها الموازنات الخليجية. وقد نعود إلى هذا الموضوع ثانية في مقال آخر بسبب انعكاساته المهمة على اقتصادات قطر ودول مجلس التعاون.