السياسات الأمريكية الاقتصادية .. إلى أين؟

09/03/2025 0
د. فهد الحويماني

النتائج النهائية للمغامرات الاقتصادية الجديدة للإدارة الأمريكية غير معروفة، لكن من الواضح أن عام 2025 سيكون مليئا بالإثارة والتقلبات وردود الأفعال، وسيكون لذلك تأثيرات كبيرة في الأسهم والسندات وفي اقتصادات دول كثيرة إلى جانب أمريكا وأوروبا والصين. كيف يمكننا تقييم تأثير التحركات السريعة في حركة الأسواق والدولار الأمريكي والناتج المحلي الإجمالي وأسعار الفائدة، وغيرها من عوامل مالية واقتصادية؟ الرسوم الجمركية تؤدي إلى ارتفاع التكاليف، وهذا أمر ثابت ومؤكد على المدى القصير وربما المتوسط وغير واضح على المدى الطويل، والسبب أن ذلك يؤدي إلى اختلال قوى العرض والطلب، وقد يستفيد من ذلك المنتجون داخل الدولة نتيجة زيادة الإنتاج المحلي، وتستفيد الحكومات من الضرائب المحصلة، لكن بطبيعة الحال المستهلكون يقومون بدفع تلك الفروقات.

مبدئياً تشير بيانات التجارة الأمريكية لشهر يناير الماضي إلى ارتفاع مستوى العجز في الميزان التجاري، ما يعني زيادة الواردات عن الصادرات، وهذا على عكس ما تهدف إليه تحركات الإدارة الأمريكية، حيث ارتفعت الواردات إلى 401 مليار دولار بنسبة 10%، مقابل ارتفاع بسيط في الصادرات، مع بلوغ العجز 131 مليار دولار، ومن المبكر الحكم على نجاح الرسوم الجمركية من عدمه، ولا سيما أن عددا كبيرا من الشركات رفع وتيرة الاستيراد قبل تطبيق الرسوم. أما الدولار الأمريكي فهو يتراجع أمام معظم العملات، ما يدل على تراجع الإقبال على الدولار مقارنة بالعملات الأخرى، فنجد تراجع مؤشر الدولار بنحو 6% منذ منتصف يناير الماضي، وهذا ربما سببه زيادة الواردات كما ذكرنا أعلاه، لكن من المفترض أنه في الأزمات الاقتصادية العالمية يصبح الدولار ملاذاً آمنا فيرتفع الطلب عليه، ولم يحدث ذلك، بل حدث مزيد من التدهور في قوة الدولار هذا الأسبوع بانخفاض نحو 4%. لذا يبدو أن ردود أفعال الدول الأخرى بدأت تؤثر في جاذبية الدولار، نتيجة تراجع شراء المنتجات الأمريكية وتراجع الحاجة إلى الدولار، بعكس ما تستهدفه التحركات الجيوسياسية والاقتصادية للإدارة الأمريكية.

من جهة أخرى، بدأت أوروبا تجمع أوراقها وتحاول الوقوف على قدميها بعيداً عن الاعتماد على أمريكا، وهنا نجد ألمانيا تعلن رفع مستوى الإنفاق بنحو 540 مليار دولار، وهذا أحد أسباب ارتفاع اليورو، فهذا الكم من الصرف داخل ألمانيا وأوروبا سيرفع الطلب على اليورو، وفي الوقت نفسه سيؤدي إلى ارتفاع نسبة التضخم في أوروبا، لذا قام المركزي الأوروبي برفع توقعاته للتضخم هذا العام إلى 2.3%، وبسبب الإنفاق الألماني سيرتفع الدين العام الألماني إلى 72% من الناتج المحلي، مقابل إصدار سندات ألمانية جديدة ستكون بالضرورة بأسعار فائدة مرتفعة نسبياً، ما يعني ضرورة توقف المركزي الأوروبي عن خفض معدلات الفائدة في أوروبا، وذلك نلاحظه في ارتفاع عائد السندات العشرية الألمانية إلى 2.7%، التي لا تزال أقل من نظيرتها الحكومية الأمريكية عند 4.3%.

هناك شركات أمريكية من المفترض أن تستفيد من رفع الرسوم وغيرها من إجراءات حمائية، وهي الشركات الأمريكية المتضررة منذ سنوات طويلة من المنافسة الصينية، كشركات الحديد والألمنيوم والمنسوجات والملابس والمنتجات الإلكترونية والآليات الصناعية والزراعية والأثاث وألعاب الأطفال، وألواح الطاقة الشمسية، وحتى الآن لم تتحرك أسهم هذه الشركات. وسوق الأسهم الأمريكية تشهد ارتفاعات كبيرة في نسبة التذبذب الضمني، الذي يرمز إلى ارتفاع أسعار عقود الخيارات لأسهم الشركات الأمريكية، ويتأثر على وجه الخصوص نتيجة ارتفاع الطلب على عقود التأمين ضد الهبوط، فارتفع مؤشر "فيكس" منذ منتصف فبراير من 14 إلى نحو 26 نقطة حالياً، لذا ليس من المستغرب حدوث تراجعات بنسب عالية نسبياً في جميع المؤشرات الرئيسية، وفي الوقت نفسه ستكون هناك ارتفاعات يومية كبيرة، إلى أن تتضح الصورة ويتبين تأثير تحركات الإدارة الأمريكية في الأسواق.

 

 

نقلا عن الاقتصادية