حدث تطور لافت للنظر في معدل التضخم في دولة قطر هذا العام يتمثل في عودة معدل التضخم إلى الانخفاض إلى مستوى 2.8% في شهرسبتمبر الحالي بعد أن كان قد ارتفع تدريجيا في الشهور الأولى من 3.2% في شهر فبراير إلى 3.7% في شهر إبريل.
فما هي أسباب الارتفاع في الشهور الأولى من العام، وماهي دواعي ومبررات الانخفاض المتتالي في الشهور الأربعة الأخيرة، وما هي دلالات ذلك على الاقتصاد القطري؟؟
في البداية نشير إلى ظاهرة ارتفاع المعدل في الشهور الأولى من العام إلى أكثر من 3% سنويا بعد أن كان دون هذا المستوى طيلة شهور عام 2012. ويرجع ذلك الارتفاع إلى ثلاثة عوامل رئيسية هي حدوث ارتفاع ملحوظ في أرقام المجموعات الخاصة بالإيجارات، والنقل والاتصالات، والغذاء والمشروبات.
وهذه المجموعات الثلاث تشكل مجتمعة ما نسبته 65.9% من إجمالي أوزان سلة السلع والخدمات للرقم القياسي لأسعار المستهلك، ومن ثم فإن ما يطرأ عليها من ارتفاعات، يجد له صدى قوي في الرقم القياسي العام ومعدل التضخم.
وكان ذلك الارتفاع في أرقام المجموعات المشار إليها منسجم مع حدوث زيادة ملحوظة في عدد السكان في تلك الفترة حيث اقترب العدد في بداية شهور الصيف من 2 مليون نسمة، وهو ما زاد الطلب على السلع والخدمات عموماً والمتصلة منها بالسكن، والنقل والاتصالات والطعام والشراب، بوجه خاص فارتفعت أسعارها.
ثم حدثت بعد ذلك موجه معاكسة بسبب تراجع عدد السكان لأسباب موسمية نتيجة دخول فترة الإجازات السنوية بحيث انخفض عدد السكان في آخر شهر أغسطس إلى 1.817 مليون نسمة، وهو ما أدى إلى ركود في معدلات الإيجارات، وتراجع في أسعار مجموعة النقل والاتصالات، وتباطؤ في الزيادات المتصلة بأسعار الغذاء والمشروبات.
وفي حين أن التراجع في عدد السكان هو ظاهرة موسمية متصلة بشهور الصيف، فإن عودة الرقم إلى الارتفاع في ما تبقى من شهور السنة هو أمر حتمي، ومن ثم فإن تأثيره المعاكس باتجاه ارتفاع أسعار السلع والخدمات سيظهر في بيانات الشهور القادمة، وخاصة فيما يتعلق بالإيجارات.. وإن كان من المتوقع أن يكون تأثيره محدوداً بحيث يظل معدل التضخم في حدود 3% فقط حتى نهاية العام للأسباب التالية:
أولاً: أن مستويات الإيجارات قد بلغت في عام 2013 ذروتها بحيث باتت تفوق ما يمكن تحمله لفئات المستأجرين المختلفة، فبالرغم من أن وزن هذا المكون مع الوقود يمثل 32.5% من سلة السلع والخدمات، إلا أنه في حقيقة الأمر يزيد عن 50% من الدخل المتوسط لفئات المستأجرين الذين هم في الغالب غير قطريين، في ظل الثبات النسبي لمستويات الأجور والرواتب الممنوحة لهم. وقد لوحظ بالفعل تباطأ الزيادات التي طرأت على الرقم القياسي لمكون الإيجارات في الشهور الأخيرة.
ثانياً: أن أسعار النقل والاتصالات ستشهد في الفترة القادمة بعض التراجع نتيجة ارتفاع أسعار الدولار مقابل الين وبعض العملات الأخرى، مما يؤدي إلى انخفاض أو استقرار أسعار وسائل النقل المستوردة، كما أن أسعار تذاكر السفر قد بدأت في الانخفاض بعد انتهاء موسم الإجازات السنوية، كما تميل أسعار المكالمات إلى الانخفاض بفعل التخفيضات في فترة العيد القادم.
ثالثاً: أن أسعار السلع الأخرى وفي مقدمتها الذهب ستميل إلى الاستقرار بعد ارتفاعها المفاجئ إبان فترة الأزمة السورية.
وعلى ذلك فإن من المتوقع أن يميل معدل التضخم خلال ما تبقى من عام 2013 إلى التحرك ضمن نطاق ضيق ما بين 2.6-3% فقط، وخاصة مع تباطؤ معدل النمو الاقتصادي في قطر،، وهذا المعدل من أفضل المستويات العالمية التي تعكس حالة نمو اقتصادي معتدل، في ظل استقرار نسبي في أسعار السلع والخدمات.