ليس من قبيل المبالغة الزعم أن أهم التشوهات التي تشوب الاقتصاد الكويتي هي تلك المتعلقة بسوق العمل. فالدولة تعتمد منذ بداية عصر النفط على يد عاملة متزايدة في مختلف القطاعات، وعلى رغم وعي الجميع بأهمية إعادة التوازن إلى سوق العمل وتعزيز دور الكويتيين فيها، لم تفلح السياسات المتبعة في رفع مستوى مساهمة الكويتيين في سوق العمل إلى مستويات مقبولة.
لا تزال نسبة مساهمة اليد العاملة الكويتية في سوق العمل المحلية تدور حول 16 في المئة، وهي تتركز في دوائر الحكومة ومؤسسات القطاع العام. وتقدّر دراسات أن نحو 80 في المئة من إجمالي اليد العاملة المحلية يتركز في القطاع الحكومي في مقابل 20 في المئة في القطاع الخاص، على رغم أن الدولة أقرت قبل سنوات مزايا مهمة للكويتيين العاملين في القطاع الخاص من خلال برامج دعم أعطى جميع الكويتيين العاملين في مؤسسات القطاع الخاص تقديمات تُضاف إلى الرواتب التي يتقاضونها من الشركات والمؤسسات الخاصة حيث يعملون، وقد تصل هذه التقديمات إلى نحو ألف دينار (ثلاثة آلاف و523 دولاراً) شهرياً. ويعتمد تمويل دعم العمال المحليين في القطاع الخاص على ضريبة نسبتها 2.5 في المئة من الأرباح الصافية للشركات المساهمة المسجلة في سوق الكويت للأوراق المالية، وكذلك على أموال من الخزينة العامة.
وقدرت دراسة لمنى خلف الدعاس، الوكيل المساعد في الإدارة المركزية للإحصاء، أن عدد العاملين في القطاعين العام والخاص، باستثناء العمال المنزليين، يساوي مليوناً و553 ألفاً و210 أشخاص، يعمل منهم 331 ألفاً و333 شخصاً أو 21.3 في المئة في القطاع العام، فيما يعمل مليون و221 ألفاً و877 شخصاً أول 78.7 في المئة في القطاع الخاص. لكن من بين العاملين في القطاع الحكومي ثمة 240 ألفاً و170 كويتياً (72.5 في المئة)، فيما لا يزيد عدد الكويتيين في القطاع الخاص عن 61 ألفاً و860 شخصاً (5.1 في المئة).
غني عن البيان أن تكدس العمال المحليين في القطاع الحكومي وتدني المساهمة في القطاع الخاص يمثلان أهم التشوهات في سوق العمل في الدولة إذ يجري التوظيف في الحكومة كوسيلة لاستيعاب المتدفقين من الكويتيين إلى سوق العمل من دون اعتبارات ومعايير اقتصادية واحتياجات وظيفية حقيقية. ويزيد هذا التوظيف الأعباء المالية على الخزينة العامة ويرفع مخصصات الرواتب والأجور في الموازنة العامة للدولة بما يجعل هذه المخصصات من أكثر بنود الموازنة كلفة. ويؤكد تدني مساهمة العمال المحليين في مؤسسات القطاع الخاص عدم توافق متطلبات التوظيف والإمكانيات المهنية للكويتيين، أو ارتفاع كلفة توظيف هؤلاء، أو عزوفهم عن الوظائف المتاحة في القطاع الخاص، ما يجعل تجاوز هذه الإشكالات وإنتاج سياسات اقتصادية واجتماعية وتعليمية مواتية ضرورة ملحّة.
ويبيّن التدقيق في أوضاع العمال الوافدين في الكويت حقائق مهمة تؤكد التشوهات الهيكلية في سوق العمل. فالعمال الوافدون يتركزون في القطاع الخاص حيث يبلغ عددهم مليوناً و159 ألفاً و987 شخصاً أو 92.7 في المئة من إجمالي العمال الوافدين في القطاعين العام والخاص، ويمثل الذكور 91.8 في المئة من العمال الوافدين في القطاع الخاص فيما لا تزيد نسبة الإناث عن 8.2 في المئة. ويتركز العمال الوافدون في وظائف الإنتاج والبيع والخدمات، بما يتناسب مع المستويات التعليمية والمهنية المتواضعة لهؤلاء العمال، إذ تصل نسبة هؤلاء إلى 75.4 في المئة من إجمالي العمال الوافدين في القطاع الخاص.
وثمة جانب مهم يتعلق بالعمال الوافدين وهو تراجع مستويات الأجور، وتذكر الدعاس أن بيانات منتصف عام 2012 تشير إلى أن نحو 45 في المئة من العمال الوافدين يتقاضون أجوراً شهرية تتراوح بين 60 و120 ديناراً، فيما يتقاضى 14 في المئة ما بين 120 و180 دينار كويتياً. ومما لا شك فيه أن أي موظف كويتي، مهما كانت مؤهلاته التعليمية أو قدراته المهنية، لابد أن يتقاضى راتباً أو أجراً يزيد عن ذلك بكثير في أي من المؤسسات الحكومية أو الخاصة.
إن إصلاح الواقع الراهن في سوق العمل يتطلب إذاً تبني فلسفة جديدة في التوظيف تعتمد على معايير فنية واقتصادية بعيدة عن المعايير السياسية التي تهدف إلى تأمين وظائف للكويتيين في مؤسسات الحكومة أو القطاع العام بصرف النظر عن المتطلبات الحقيقية للتوظيف. ولا بد من إصلاح النظام التعليمي لتأمين كوادر مهنية من الكويتيين لشغل الوظائف والمهن والحرف المتاحة في القطاع الخاص، فالنظام التعليمي في البلاد لا يتسق مع متطلبات تأمين عمال محليين في المهن المسماة مهن الياقات الزرقاء، وهو عزز توجهات الكويتيين إلى تبؤّو الوظائف الإدارية والكتابية أو الالتحاق بالمؤسسات الأمنية مثل الجيش والشرطة لمن لا يتمكن من الحصول على قبول في مؤسسات التعليم العالي.
أما التباين في مستويات الرواتب والأجور بين القطاع العام والقطاع الخاص، وعلى رغم توفير دعم للعمال، فهو من العوامل الأساسية التي تدفع المتدفقين إلى سوق العمل إلى تفضيل العمل في الحكومة، خصوصاً بعد الزيادات واعتماد الكوادر لوظائف ومهن عديدة أقرتها الحكومة ومجلس الأمة خلال السنوات الماضية. وثمة قصور في الاستخدام التقني المتطور في أعمال مؤسسات القطاع الخاص بما يجعلها تعتمد على عمال وافدين بمستويات تعليمية وتدريبية متدنية، ما يتطلب استثماراً مهماً في التقنيات ويحفز الكويتيين المتعلمين للعمل في هذه المؤسسات.
ابق على اطلاع بآخر المستجدات.. تابعنا على تويتر
تابِع
الاخ عامر المحترم السلام عليكم ،، الموضوع هام جداً واود اضافة ما يلي كوني مطلع ايضاً على اسواق المنطقة الخليجية نذكر من هذه التشوهات : نظام الكفيل موجود بشكل مستتر على الرغم من الغاءه, والتي سوف تؤدي ال المزيد من العمالة السائبة والمزيد من العاطلين عن العمل والمزيد من الأجور المتدنية. القوانين اللازمة ل تحرير سوق العمل الخليجي. عدم تقيد جميع اصحاب العمل بمعايير وظروف العمل والتي تنص عليها قوانين منظمة العمل الدولية عد استقطاب اصحاب الكفاءات العالية والذي يؤدي الى تراكم وتزايد التشوهات ......وشكرا لكم