ناقشت في مقال الأسبوع الماضي التناقض القائم بين الحال الراكد لمجاميع البورصة المختلفة، ووضع الاقتصاد القطري النشط كما تدل على ذلك الأرقام الكلية للاقتصاد؛ كمعدلات نمو الناتج المحلي الإجمالي، وفوائض الميزانية العامة وميزان المدفوعات.
وأشرت إلى مسؤولية هيئة قطر للأسواق في تنشيط مجاميع البورصة وخاصة عدد الشركات المدرجة ومستويات المؤشرات وأحجام التداول اليومية، وأشرت في نهاية المقال إلى ما أنجزته الهيئة من تشريعات وما اتخذته من إجراءات منذ عام 2010 في إطار دورها لدعم تداولات البورصة، وتساءلت إن كان ذلك كافياً؟.
إن معظم الإجراءات التي اتخذتها قد ركزت على مخاطبة المستثمر الأجنبي، وأغفلت عزوف الكثير من المستثمرين الأفراد وخاصة القطريين منهم ، عن التعامل في البورصة.
ورغم أن أداء البورصة في الأسبوعين الأخيرين قد حمل بعض الأمل في حدوث تغيرات مهمة على صعيد المؤشرالعام الذي اقترب مع نهاية الأسبوع الماضي من مستوى 9700 نقطة، إلا أن إجمالي التداولات اليومية أو الأسبوعية لا زال دون المتوسط المطلوب، كما أن عدد الشركات المدرجة لا زال راكدا عند مستوى 42 شركة دون أن يكون هناك برناج محدد لإدراج المزيد من الشركات.
وهذا الجمود في عدد الشركات يجعل من أي انتعاش في أداء المؤشرات تطور قصير الأجل قد لا يدوم طويلاً لافتقار السوق القطري للعمق المطلوب.
وما يدعم هذا التحليل أن الارتفاعات التي حدثت في الأسابيع الأخيرة قد استندت إلى ارتفاعات مهمة على أسعار أسهم الشركات القيادية ذات الأوزان الكبيرة نسبياً في تركيبة مؤشر البورصة وفي مقدمتها أسهم الوطني وصناعات وأوريدو، والكهرباء والماء إضافة إلى أسهم شركات مثل المتحدة وبروة والريان.
وإذا كانت المحافظ الأجنبية قد راهنت على أسهم الشركات القيادية، فإن نزوع هذه المحافظ إلى البيع من أجل تحقيق الأرباح قصيرة الأجل، قد يجعل أسعار هذه الأسهم عرضة للتراجع في وقت لاحق، مما يجعل من الخطر التعويل عليها باستمرار.
والمطلوب إذن هو زيادة عمق السوق سواء بإدراج أسهم لشركات جديدة، أو برفع أحجام التداول نتيجة إعادة جذب المساهمين القطريين إلى التداولات من جديد.
وقد لا تكون الهيئة مسؤولة بمفردها عن تحقيق هذين الأمرين، وخاصة موضوع زيادة عدد الشركات.
فالمسؤولية هنا تتوزع على جهات حكومية أخرى لعل في مقدمتها وزارة الاقتصاد والتجارة التي عليها-كما ذكرت في مقالات سابقة- أن تيسر من إجراءات تأسيس شركات جديدة، وأن تزيل العقبات التي تحول دون ذلك.
وقد يكون من المفيد في هذا المجال أن تقوم الهيئة والوزارة بدراسة تجربة دول مجلس التعاون في هذا المجال، وأذكر هنا تجربة كل من السعودية والكويت والإمارات.
ففي دراسة سابقة لي عن الموضوع تبين لي أن بورصة الكويت قد أضافت 51 شركة جديدة في الثلاث سنوات الأخيرة ليصل العدد إلى 212 شركة، وارتفع عدد الشركات المدرجة في السعودية في نفس الفترة بنحو 66 شركة إلى 211 شركة، فيما ارتفع عدد الشركات المدرجة في بورصة دبي بنحو 20 شركة إلى 67 شركة.
هذه الزيادات الملحوظة في عدد الشركات المدرجة الجديدة في الثلاث سنوات الأخيرة في دول المجلس، في الوقت الذي تقلص فيه العدد في قطر واستقر عند 42 شركة،، يطرح تساؤلات كثيرة عن مكمن الخلل في الموضوع وخاصة أن معدلات النمو الاقتصادي في قطر خلال هذه السنوات كانت الأعلى في العالم!!!! وقد يكون المطلوب لذلك في المرحلة القادمة أن يتم إفصاح الهيئة والوزارة عن خططهما أو مساعيهما في هذا المجال، وأن تكون هنالك جداول زمنية موثوقة للإدراجات القادمة على مدى عام أو عامين قادمين... كما أن الشفافية مطلوبة حتى لا يفقد المستثمر ثقته في الاستثمار المحلي،،، فمستثمروا الأولى للتمويل ينتظرون منذ سنوات إدراج أسهم شركتهم الجديدة بنك بروة بعد أن تجمدت أموالهم لسنوات بانتظار الوعد المأمول، ويأمل مستثمرو بنك قطر الأول تحقق حلمهم بإدراج أسهمهم في البورصة... صحيح أنه قد تكون هناك بعض المعوقات دون ذلك، فلا بأس عندئذ من شرح ذلك للجمهور في تقارير منشورة.
والجمهور الذي استعد للاكتتاب في أسهم شركة الدوحة للاستثمار العالمي، وجمد أموالاً لاستخدامها في هذا الحدث المرتقب من حقه أن يعرف ماذا حدث لمشروع الاكتتاب؟ هل هو أُلغي أم تأجل لوقت معلوم بعد أن تأجل عدة مرات.. وهل هناك أية إدراجات قادمة في بورصة المشروعات الصغيرة والمتوسطة؟ وهل سيتم إنشاء شركات جديدة أخرى؟ وهل سيتم إدراج بعض الشركات العائلية الناجحة... وهل شروط الإدراج للشركات العائلية ميسرة أم أنها غير ذلك بما يجعل الأمر غير ممكن في الظروف الراهنة؟