الاقتصاد السعودي وصندوق النقد الدولي

18/07/2013 15
د.عبد الوهاب أبو داهش

لم يكن مفاجأ أن تأتي المملكة أفضل أداء اقتصاديا بين دول العشرين كما اشارت مشاورات المادة الرابعة لصندوق النقد الدولي.  فالمتابع لأداء الاقتصاد السعودي منذ تعاقب الأزمات الاقتصادية والمالية المتكررة منذ 2006 حتى الآن يشعر بالاطمئنان على سير الاقتصاد السعودي، فقد تجاوز انهيار سوق الأسهم الكبير في 2006 ثم تجاوز أزمة الرهن العقاري في 2008 فتجاوز أزمة دبي في 2009 مع مارافق هذه الازمات من تراجع حاد لأسعار النفط من نحو 145 دولاراً للبرميل في يوليو 2008 الى تخوم 40 دولارا للبرميل في 2009 ليواصل مسيرته الجيدة حتى الآن رغم الأزمات الأوروبية في السنوات الأخيرة والركود الاقتصادي العالمي.

وقد يرى البعض أن ارتفاع أسعار النفط كان السبب الرئيس في استمرار زخم النمو، لكنهم تجاهلوا أن أسعارا النفط قد لا تفيد في حال انهارت البنوك السعودية -على سبيل المثال- كما هو الحال في دبي التي انهارت بشكل مريع وتخلفت عن سداد ديونها لانكشاف بنوكها بصورة كبيرة على البنوك الأوروبية والقطاع العقاري.

كان بامكان بنوكنا أن تتعرض لنفس المصير لو كان انكشافها كبيرا على القطاع العقاري وعلى البنوك الأوربية والأمريبكية مثلا.

لكنها سياسة التوازن في ادارة محافظ القروض والاستثمار، فالبنوك السعودية كانت تتمتع بملائة عالية من السيولة التي تمكنها من الاقراض والاستثمار بقوة في أوروبا ودبي وغيرها من البلدان التي تعرضت لانهيارات الا أنها التزمت بمعايير عالية في ادراة المخاطر مما جنبها وجنب الاقتصاد السعودي ركودا أصاب دولا كثيرة ضمن دول العشرين.

هذا فقط مثالا واحدا على اهم العوامل التي ساعدت الاقتصاد السعودي على تجاوز الأزمات و مواصلة النمو القوي الذي يثني عليه صندوق النقد الدولي في السنوات الأخيرة.

وهناك سبب أخر يمكن اضافته الى قدرة الاقتصاد السعودي في تجاوز الأزمات وهو مواصلة الحكومة السعودية الانفاق بقوة على البرامج التي تبنتها قبل حدوث الازمات مثل برامج الاستثمار في البنية التحتية والنقل و تشجيع الاستثمار و مواصلة تنظيم السوق المالية مع زيادة في الانفاق على المرتبات و الاسكان و مشاريع تطوير المدن النائية وزيادة الاستثمار في قطاع البترول والمصافي والغاز والتعدين.

وهي أمور كان بالامكان تأجيلها حتى تتضح الرؤية بشكل أفضل خصوصا وأن بيئة الاستثمار والاقراض في العالم أجمع تراجعت بشكل كبير.

لقد واصلت الحكومة السعودية الانفاق استشعارا منها بأن القافلة يجب أن تستمر، فأنفقت بسخاء كبير على التعليم والصحة والبنية التحتية حتى وجدنا أنفسنا نتصدر دول العشرين نموا (وكذلك تنمويا) في سنوات الركود العالمي.

لقد اشاد صندوق النقد الدولي بقدرة الحكومة السعودية على المساهمة أيضا في تخفيف اثار تراجع النمو العالمي بخلق أجواء مستقرة للسوق النفطية وأسواق الطاقة عن طريق رفع انتاجها النفطي من نحو 8 مليون برميل يوميا في بداية الازمات الى تخوم العشرة مليون برميل في اليوم عند تناقص العرض العالمي جراء أزمات الربيع العربي و حصار ايران، ذلك أن الحكومة السعودية تدرك أن نموها مرتبطا باستقرار الاقتصاد العالمي ونموه ايضا، ناهيك عن أن السوق السعودية أصبحت مصدرا ضخما للتوظيف سعوديون و غير سعوديون في فترات الركود مما جعلها بالفعل لاعبا مهما، ليس في فقط في اسواق الطاقة بل وفي سوق العمل العالمي.

ولعل الصورة تتضح الان لدى الكثير من منتقدي السياسات السعودية في السابق في فتحها ابواب الاستقدام على مصراعيه في السنوات الأخيرة، وكذلك منتقدي سيسات الدعم السعودي لاقتصاديات وخزائن دول الربيع العربي من أن هذا الدعم كان مهما لتفادي أسواء الاحتمالات على اقتصاديات المنطقة في ظل تراجع دور صندوق النقد الدولي و صناديق الانقاذ الاوروبية والامريكية عن مساعدة دول الربيع التي تكبدت خسائر فادحة.

العبرة اذا بالنتائج التي آلت الى استمرارا النمو في الاقتصاد السعودي بشكل نال على اعجاب ادارة الصندوق.

واستطيع أن اضيف أن هناك عوامل هيكلية مهمة ستلعب أدوارا مهمة في نمو الاقتصاد السعودي في السنوات القادمة والتي لم تسلط مذكرة الصندوق الدولي الضؤ عليها وهي الهيكلة الكبيرة التي يشهدها سوق العمل و هيكلة القطاع العقاري.

وهما قطاعان مهمان أصبحا الآن محور اهتمامات القيادة السعودية.

فسوق العمل يتجه الى أن يصبح أكثر فاعلية وانتاجية بتبنيى أنظمة وتشريعات أكثر عدالة و شفافية قادرة على جذب الكثير من السعوديين للقطاع الخاص.

فالقطاع الخاص يحتاح بالفعل الى انظمة وتشريعات لتحسين بيئة العمل والأجور حتى يصبح أكثر حرفية ومهنية وبالتالي يستقطب أفضل الكفاءت و يحفز الكفاءات الأقل على مزيدا من الانتاجية مما يزيد من مساهمته في نمو الاقتصاد المحلي.

وفي هيكلة القطاع العقاري، فإن أنظمة الرهن العقاري و الدور المؤمول من وزارة الاسكان سيحولان القطاع الى رافدا مهما في مساهمته لنمو الاقتصاد السعودي.

فمشاركة القطاع العقاري في الاقتصاد المحلي مازالت متدنية مما يجعلنا نأمل من قدرة أنظمة الرهن العقاري ومشاريع الاسكان في قيادة النمو المؤمول في السنوات القادمة.

تظل هناك بعض الملاحظات لصندوق النقد الدولي على سعر الصرف والتي يرى أن من المهم التفكير في جعله أكثر مرونه في المستقبل مع تنوع الاقتصاد.

وفي اعتقادنا أن سعرا الصرف الذي ظل ثابتا أمام الدولار المتراجع كان يمكنه ومازال أن يلعب دورا افضل في تحسين القوة الشرائية للمواطن في حال رفع قيمة الريال بالدولار مع بقاء الريال مرتيطا وثابتا أمام الدولار.

و اعتقد أن هناك مجالا كبيرا للسياسات التقدية يمكن أن تلعبه مستقبلا في تحسين الدخل الحقيقي عوضا عما تقوم به السياسات المالية المتمثلة في زيادة الرواتب و زيادة الانفاق.