قدمت في المقال السابق بعض ما استخلصته من ملامح التشكيل الوزاري الجديد في قطر وكان من أهمها أنه يوحي باهتمام سمو الأمير الشاب بمواصلة المسيرة في كثير من المجالات فأبقى على نصف مجلس الوزراء القديم، وأنه مهتم بالتركيز على قضايا الداخل على حساب القضايا الخارجية، وأنه ربما تتم مراجعة السياسة الاستثمارية القائمة على التوسع في الدين العام.
وفي مقال اليوم إضافة جديدة للموضوع من عدة زوايا، وذلك على ضوء ما صدر في الأسابيع الأخيرة من قرارات.
1-أن التشكيل الجديد للمجلس قد ضم وجوهاً شابة ارتقت إلى المنصب الوزاري لأول مرة، وأن وزراء المجلس قد باتوا يوصفون بأنهم أقرب إلى التكنوقراط.
وإذا كان هذا الوصف يُطلق في دول أخرى على التشكيلات الوزارية التي تخلو من المنتمين للأحزاب السياسية،مع تميز المنتسبين لها بالخبرة والكفاءة في المجالات المختلفة، فإن ما أقصدة بتشكيل التكنوقراط في قطر أن وزراء المجلس هم من أصحاب الخبرة والكفاءة وأنهم متفرغون للعمل الحكومي، وليس لديهم ارتباطات عمل خاصة قد تشغلهم عن التفاني في خدمة وزاراتهم، أو أن تكون هناك شبهة تعارض المصالح بين العام والخاص.
2-أن المجلس الجديد مؤهل لمراجعة السياسات الحكومية بشأن بعض المسائل الاقتصادية ومنها موصوع التضخم.
وقد بدا ذلك واضحا من قرار الدولة قبل التشكيل الجديد شراء قسم كبير من موجودات بروة العقارية لصالح الشركة الأم الديار.
وفي حين فُهم القرار في حينه على أنه رغبه لتقليص ديون بروة بما يساعدها على توزيع عوائد أفضل على المساهمين، فإنني أرى فيه أيضاً محاولة جادة لمنع خروج الشركة عن مسارها الطبيعي في خدمة المجتمع.
فالمعروف أن الهدف من إنشاء بروة العقارية تمثل في المساعدة في توفير الوحدات السكنية والمحلات التجارية بأسعار معقولة، ولكنها –وبضغط الديون المتراكمة عليها- قد بدأت في السنة الأخيرة في رفع الإيجارات، أو التأجير بمعدلات مرتفعة، وهو ما عمل على حدوت ارتفاع في الأسعار وفي معدل التضخم.
وكان من شأن استمرار هذه السياسة أن تعيد معدل التضخم إلى مستويات عالية في زمن قصير نسبياً.
الجدير بالذكر أن خروج معدل التضخم عن السيطرة يُكلف الموازنة العامة للدولة والاقتصاد القطري عموماً مبالغ ضخمة ستوياً في صورة زيادات في الرواتب والأجور وفي تكلفة إقامة المشروعات.
3-يتصل بموضوع الحد من ارتفاع معدل التضخم، أن تعمل الوارة الجديدة على مراجعة السياسات والإجراءات الحكومية الخاصة بإقامة أنشطة استثمارية من جانب رجال الأعمال.
الجدير بالذكر أنه برزت شكاوى في السنوات الأخيرة من بيروقراطية إجراءات التأسيس وتعقيداتها بما يعمل على ارتفاع تكلفة إنشاء أي نشاط وهو ما يعزز من صعود معدل التضخم.
4-أن السياسة السكانية بحاجة إلى مراجعة سريعة على الضوء التصاعد المُلفت للإنتباه لمعدل النمو السكاني والذي بلغ 11.3% في نهاية يونيو مقارنة بعدد السكان قبل سنة.
5-أن سياسات التخطيط العمراتي بخاجة إلى مراجعة قبل فوات الأوان ومن ذلك الموافقات الخاصة ببناء مولات جديدة.
6-أن قُرب انقضاء نصف المدة الخاصة بخطة التنمية الإستراتيجية الأولى يقتضي بمراجعة ما تم إنجازه من أهداف في السنوات الثلاث الأولى منها، ومراجعة الأهداف والسياسات في الخطة بشكل عام، حتى يتم بناء الخطة الثانية لاحقاً على أسس سليمة.
وقد يكون في ضَم الإحصاء للأمانة العامة للتخطيط التنموي ما يساعد على تحقيق هذه الإقتراحات ووضعها موضع التنفيذ
وبعد.... كانت هذه تأملات إضافية في ملامح التشكيل الوزاري الجديد، وقد أكون قد أصبت فيها أو أخطأت في بعضها، والله نسأل أن بعين صاحب السمو الأمير وفريق عمله،، وأن يوفقهم لما فيه خير البلاد والعباد.