من أطلع على تفاصيل إنشاء قطر مول مؤخراً سيصاب حتماً بالذهول من فرط ضخامته من حيث المساحة أو عدد ما سيحتويه من محلات تجارية، ومطاعم عالمية وعدد 7000 موقف للسيارات. ومبعث الذهول أنه لن يكون الأول من جنسه في قطر بل سبقه إلى ذلك نحو 8 مولات باتت قائمة بالفعل ونحو 8 مولات أخرى قيد التنفيذ، بخلاف ما قد يتبع أو يستجد... ولو رجعنا بالذاكرة إلى الوراء فسنجد أنه قبل عقدين من الزمان كانت قطر خالية من المولات، وإن كانت قد عرفت مجموعة من الأسواق التجارية الكبيرة نسبياً كسوق الجبر والدوحة والعسيري ومجمع السلام، ولحقتها ظاهرة الهايبرماركت كمركز التموين العائلي واللولو والمخازن الكبرى أو الميرة حالياً.
وقد يكون هنالك علاقة بين عدد السكان ومتوسط دخل الفرد من ناحية وبين عدد المولات من ناحية أخرى، بحيث يمكن القول إن انتشار ظاهرة المولات قد ينسجم مع الزيادة المضطردة في عدد السكان الذي اقترب في الأسبوع الماضي من 2 مليون نسمة، وبارتفاع متوسط دخل الفرد إلى أكثر من مائة ألف دولار سنوياً.
وبالنظر إلى طبيعة الجو الحار في قطر لأكثر من 6 شهور في السنة، فإن التحول إلى المولات الكبيرة ربما بات من الضرورات الحيوية لاستمرارية حياة عصرية في البلاد، ناهيك عن بدء العد التنازلي لمونديال 2022 وما يقتضيه من ضرورة توفير خدمات سياحية، وبنية تحتية تتناسب مع هذا الحدث الكبير.
ومما لا شك فيه إن افتتاح المزيد من المولات خلال العامين القادمين، فضلاً عن توافر الفنادق الكبيرة والمراكز السياحية مثل كتارا، كل ذلك سيعمل على زيادة أعداد القادمين لغرض السياحة وخاصة من المملكة العربية السعودية ومن أوروبا.
ومع ذلك لا بد من وقفة تأمل مع ظاهرة الانتشار السريع للمولات حتى لا يُصبح في قطر يوماً ما، مولات ومجمعات تجارية تزيد عن الحاجة الفعلية لها، وحتى لا يكون تشغيل هذه المولات عبئاً على الاقتصاد القطري بدلاً من أن يكون عوناً له ومساهماً في تنويع مصادر الدخل.
ويمكن أن نسجل بداية بعض الملاحظات في هذا الصدد:
1-أن تكلفة إنشاء هذا العدد الكبير من المولات تصل في مجموعها إلى عشرات المليارات من الريالات، ويستلزم تشغيلها تكاليف مالية عالية للصيانة والنظافة والتكييف والتبريد، والحراسة، ويتطلب كل ذلك كوادر بشرية للعمل في كافة الخدمات فضلاً عن إدارة وتشغيل المحلات.
وهذه المتطلبات ستعمل على تسريع الزيادة في عدد السكان وخاصة من بين العمال الأجانب. الجدير بالذكر أن عدد السكان قد ارتفع في نهاية مايو الماضي إلى 1.96 مليون نسمة بزيادة بنسبة 9.3% عن نهاية مايو من العام الماضي.
وهذا المعدل المرتفع للنمو السكاني سيساهم في بلوغ إجمالي عدد السكان-لو استمر على هذا النحو- إلى قرابة 3 مليون نسمه بعد 5 سنوات من الآن.
2-أن هذه الزيادة المتسارعة في عدد السكان سوف تضغط بشدة على المرافق العامة من طرق وكهرباء وماء وصرف صحي بما يحمل الدولة تكلفة مجتمعية غير مباشرة ، ويزيد من اتساع الخلل السكاني لصالح غير القطريين، وغير العرب.
3-بالنظر إلى التكلفة العالية لتشغيل المحلات في المولات، فإن أسعار خدماتها ومبيعاتها ستكون عالية ولا يستطيع تحملها إلا فئة محدودة من السكان رغم الزيادة الكبيرة في أعدادهم، وذلك سوف يقتضي الدخول في منافسة حادة مع دول الجوار لاستقطاب السياحة الإقليمية والعالمية، وقد يدفع ذلك باتجاه تقديم المزيد من التنازلات المجتمعية لتحقيق هذا الهدف.
4-وفي حال الفشل في تغطية تكاليف التشغيل لأي منها لا سمح الله، فإن ذلك سيترك آثاراً سلبية على الاقتصاد القطري سواء على البنوك التي مولت إنشاء هذه المولات، أو على الأفراد الذين يعملون بها، أو على أصحابها المستثمرين
على ضوء ما تقدم أرى أن الموضوع مهم ويتطلب إجراء دراسة مستفيضة تبحث في تطور عدد المولات في قطر مقارنة بتطور عدد السكان ومتوسط دخل الفرد، وتفاصيل المولات القائمة والمرخص لها، والبحث لدى الجهات الرسمية عما لديها من تصورات وخطط مستقبلية لهذا الأمر؟