المملكة ليست مخزون نفط فقط

28/05/2013 1
د. فواز العلمي

الدور الذي كانت تلعبه المملكة بفضل مخزونها النفطي لم يعد المعيار الوحيد لتحقيق النتائج المطلوبة، أصبحت قدراتنا على خوض التنافسية العالمية معيارا يعكس حسن أدائنا بين دول العالم.

خلال إحدى رحلاته المكوكية إلى المملكة، سأل أحد مستقبلي رئيس مجلس إدارة شركة "جنرال إلكتريك" الأميركية عن سبب زياراته المتكررة للرياض، فأجابه بأن السعودية ستصبح في العقد المقبل أكثر دول العالم تأثيرا في نمو شركته العملاقة. 

في مجموعة العشرين، التي تسيطر على 87% من الاقتصاد العالمي و81% من صناعة البتروكيماويات والحديد والألمنيوم و77% من التجارة العالمية، تقع السعودية ضمن أكبر 20 اقتصادا في العالم، بما فيها الصين، اليابان،  كوريا الجنوبية، الهند، إندونيسيا، روسيا، تركيا، فرنسا، ألمانيا، إيطاليا، بريطانيا، أستراليا، جنوب أفريقيا، كندا، المكسيك، أميركا، الأرجنتين، البرازيل والاتحاد الأوروبي.

وفي مجموعة الدول الناشئة، التي تسيطر على 53% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، والمتوقع تزايده إلى 62% في 2015، تحتل السعودية مركزا مرموقا ضمن أكبر دول المجموعة البالغة 40 دولة، بزعامة البرازيل والهند والصين. 

بالرغم من انكماش الاقتصاد العالمي خلال فترة الركود التي يمر بها منذ 2008 إلى يومنا هذا، أعلن صندوق النقد الدولي في الأسبوع الماضي أن السعودية حققت في السنوات الخمس الأخيرة أفضل أداء من بين دول مجموعة العشرين.

جاء الرصيد السعودي للمالية العامة على قمة الأرصدة من بين اقتصاديات المجموعة، وحققت المملكة المركز الثالث بعد الصين والهند في متوسط معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بواقع 6%، كما سجلت المملكة أكبر انخفاض في نسبة الدين التراكمي إلى إجمالي الناتج المحلي لتصل إلى 7,5%، مقارنة مع الصين التي سجلت نسبة 20% وروسيا 10%.

وطبقا لإعلان الصندوق، فمن المتوقع أن يواصل القطاع الخاص السعودي نموه غير النفطي بوتيرة أقوى لتفوق نسبته 7,6% خلال العام الجاري، لتحتل المملكة بذلك موقعا متقدما آخر من بين دول مجموعة العشرين. 

وفي التصنيف السنوي لتنافسية بيئة الاستثمار، قفزت المملكة من المركز 67 في 2005 إلى المركز 11 في 2012، حيث أكملت المملكة 245 إصلاحا اقتصاديا، وواصلت تصدرها جميع الدول الخليجية، ودول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وتفوقت على دول صناعية متقدمة مثل فرنسا، وألمانيا، واليابان.

وخلال هذا العام تقدمت المملكة إلى المرتبة 4 في الحرية المالية وحققت المركز 7 عالميا كأفضل النظم الضريبية تحفيزا للاستثمار.

لذا أصبحت المملكة أفضل بيئة استثمارية جاذبة لرؤوس الأموال لسرعة تكيفها مع المتغيرات العالمية، ليس لامتلاكها لما يقارب من 25% من احتياطي النفط العالمي فقط، بل لامتلاكها أكبر سوق حرة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ويشكل 25% من مجموع الناتج المحلي الإجمالي العربي.

وفي الاستثمار المعرفي، أكد تقرير البنك الدولي أن السعودية سبقت أكثر دول العالم تقدما في تصنيفها العالمي، وقفزت 26 مرتبة منذ 2000 لتحتل المركز 50 من بين 146 دولة تضمنها التصنيف.

ويعتبر مؤشر البنك الدولي للاستثمار المعرفي أداة لتقييم الاقتصاديات المعرفية في العالم، حيث يقوم بقياس متوسط أربعة محاور تمثل العناصر الرئيسية للاستثمار المعرفي. 

يختص المحور الأول بأنظمة الدولة المؤسساتية والاقتصادية المحفزة للبيئة المناسبة لازدهار الأعمال، بينما يهتم المحور الثاني بتبني الابتكار والتقنية ووجود مؤسسات اقتصادية ومراكز بحث وتطوير وجامعات ومراكز تدريب، أما المحور الثالث فيركز على بناء المواطن ليكون مهيأ لاستخدام المعلومة ونشرها وإيجادها، ويتناول المحور الرابع البنية التحتية لتقنية المعلومات والاتصالات لتسهيل الاتصال الفعال ونشر ومعالجة المعلومات.

لذا قفزت المملكة في 2012 للمرتبة 30 بين 181 دولة في براءات الاختراع، بينما حققت جامعة الملك فهد للبترول والمعادن المركز 17 عالميا بين الجامعات في أعداد براءات الاختراع الصادرة.

كما حققت المملكة أعلى نسبة ارتفاع في المعدل السنوي للنشر العلمي للدراسات العلمية والأبحاث بمقدار 33% في 2012 مقارنة بـ2011، تلتها الصين بمقدار 13%، ثم البرازيل بنسبة 9%، وكوريا الجنوبية بنسبة 7%.

وفي التعليم حققت السعودية، طبقا لإحصائيات منظمة اليونسكو الصادرة في العام الجاري، المرتبة الأولى عالميا في نسبة الصرف على التعليم من الميزانية السنوية بمعدل يفوق 26% وحققت المركز الأول دوليا في نسبة المبتعثين لعدد السكان بمعدل يزيد على 0,03%.

كما جاءت المملكة في المرتبة الرابعة بعد الصين والهند وكوريا الجنوبية في عدد الطلاب المبتعثين خارج أوطانهم،لتتقدم السعودية بذلك على اليابان وأميركا الشمالية والجنوبية وجميع الدول الأوروبية.

لذا حققت المملكة المركز الخامس بين 135 دولة في أسرع تقدم لدول العالم على مقياس "التنمية البشرية" خلال العقود الأربعة الأخيرة. 

وفي دورها التنموي على المستوى العالمي، تصدرت المملكة أفضل المراتب بدعمها لمشاريع التنمية في العالمين العربي والإسلامي من خلال رصد ما يوازي نسبة 4% من ناتجها المحلي الإجمالي وتمويل 276 مشروعا موزعة على أكثر من 60 دولة حول العالم، بينما لا تزيد هذه النسبة على 0,7 % في الدول الصناعية المتقدمة.

نحن اليوم نعيش أكثر الفترات ديناميكية في تاريخ الاقتصاد العالمي، فترابط العالم وانفتاح أسواقه وشيوع مفاهيم العولمة وثورة المعلومات، أخذت تغير خارطتنا الاقتصادية بوتيرة متسارعة.

لذا فإن الدور الذي كانت تلعبه السعودية والذي أملاه في المقام الأول مكانتها الفريدة كأكبر مخزون للنفط في العالم، لم يعد اليوم المعيار الوحيد لتحقيق النتائج الملموسة والأهداف المطلوبة.

بل أصبحت قدراتنا على خوض التنافسية العالمية هي المحك الحقيقي الذي سيعكس حسن أدائنا بين دول العالم.

نقلا عن جريدة الوطن