"الثيران ".. والطريق إلى فقاعة جديدة

09/05/2013 9
محمد سليمان يوسف

فجر هذا اليوم الموافق 9/5/2013  جلس مؤشر داو جونز الصناعي فوق مستوى 15100 نقطة ، وهذا رقم قياسي تاريخي لم يسجل من قبل ، الطريق أمام الداو ما زال طويلا على ما يبدو فهو قد لا يقف عند 18000 نقطة وقد يختبر  مستوى 20000 نقطة ولكن ماذا بعد ذلك ؟!!!!!، سؤال ربما نستبق فيه فقاعة قادمة .. سؤال نطرحه اليوم لنسجل من خلاله موقفا للتاريخ ولأن سلوك "الثيران" في  "وول ستريت"  ليس "طبيعيا" أو على الأقل لا يشبه سلوك "الثيران" قبل انفجار فقاعة "الرهن العقاري" فقبل انهيار بنك ليمان براذرز كانت حركة الدببة والثيران واضحة المعالم ، أما اليوم فبالحد الأدنى يمكننا القول أن الحركة الحالية للثيران مثيرة للقلق وتبشر بانهيار كبير إذا لم تضبط خاصة مع وجود تباين كبير بين معنويات الثيران في البورصة ومعنويات ملاك المشاريع الكبيرة وأصحاب المشاريع الصغيرة والمتوسطة في الاقتصادي الحقيقي الأمريكي.

إن ما يقلقني ليس  حركة الثيران في "وول ستريت " فحسب بل حركة " وول ستريت" نفسه  في الاقتصاد الأمريكي فحتى هذه اللحظة لا أستطيع استيعاب كل هذا الإقبال على المخاطرة في سوق دولة تعيش على حافة الهاوية وجاهزة للإفلاس في كل لحظة – لنتذكر  أن أمريكا مدينة بنحو 16 تريلون دولار –  عجيب أمر هؤلاء الذين يقذفون بأموالهم إلى أتون "الأصول الخطرة " وأتساءل : هل ما يحدث اليوم هو مشنقة سيعلق على حبلها  الكثير من الأموال بما فيها بعض الأموال العربية الساذجة . 

أنا لست من دعاة التشاؤم ولكن ، الحيطة والحذر واجب ، ولأكون صريحا معك أيها القارئ فإن ما دفعني لكتابة هذه المقال هو معاناة صديق خسر معظم ماله  في بورصتي الإمارات ونيويورك  بين عامي 2008و2010 ،  وبقي بعيدا عن هاتين البورصتين خلال السنوات الثلاث الماضية .

وأمس وبعد صعود الأسواق بشكل جنوني خلال الفترة الماضية  اتصل بي – يريد  جرعة من التفاؤل - أخبرني بأنه رهن أرضا وباع ذهب زوجته وابنته وأخته  وأخذ قرضا  على راتبه واشترى أسهما في بورصة نيويورك ويتصل طلبا للنصيحة  لأن أسمه خاسرة ولم ترتفع كما ارتفع الداو، وبعد أخذ ورد فشلت في تقديم نصيحة له ، اعتذرت منه لأنني حقا عديم الخبرة بالأسهم الأمريكية .

صديقي هذا ليس الوحيد الذي اشترى في البورصة الأمريكية بعد ارتفاعها ، فالكثير من أبناء المنطقة يفعل ذلك أملا في الربح السريع ، وبما أنني لا أستطيع خدمتهم في شراء الأسهم الأمريكية أو بيعها - لانعدام خبرتي كما أسلفت -  فإنني أود أن ألفت انتباههم إلى قضايا أخرى لا تقل أهمية عن النصيحة المباشرة : ماذا لو فشلت أمريكا في تفادي مأزقها المالي ووقعت في المحظور ؟! .. كيف ستكون ردة فعلكم لو أن البورصات العالمية انهارت على خلفية تراجع النمو في الاقتصاد الصيني ؟! .. هل وضعتم في حسبانكم إمكانية لجوء  إيطاليا أو فرنسا لطلب برنامج إنقاذ مالي ؟ .. ماذا لو تلاقت كل هذه العوامل بالتزامن مع استمرار الكساد في اليابان وحدوث ركود ثالث في بريطانيا وركود حاد في روسيا وتراجع النمو في الهند؟! ..  ماذا انتم فاعلون ؟ . 

عام 2013 مفصلي برأي لجهة الخروج من عنق الزجاجة فإن نجا الاقتصاد العالمي هذا العام ونأى بنفسه عن زلازل مالية متوقعة في أوروبا وأمريكا وخارجهما فإنه سينجو وستبدأ رحلة الانتعاش في الاقتصاد الحقيقي وعندها سيتوازن أداء الداو - سيصبح أكثر جدية وملاءمة للاستثمار-  لأن المعنويات في "وول ستريت" ستستيقظ وتبدأ بالهبوط لتلاقي في منتصف الطريق  معنويات المستثمرين في الاقتصاد الحقيقي لكن هذا السيناريو مهدد وسيذهب ادراج الرياح إذا تطورت إحدى الأزمات الاقليمية في سوريا أو ايران أو كوريا وتحولت إلى حرب عالمية فعندها نقول أن السيناريو الايجابي سيكون في خبر كان . 

لا شك أن تفاقم أزمة الديون السيادية الأوروبية ، وتعاظم الدين الخارجي الأمريكي بالتزامن مع  ارتفاع معدل الفائدة في آسيا  وتزايد  معدلات البطالة عالميا  وارتفاع أسعار النفط والمواد الغذائية هذه القضايا وغيرها لا شك ستؤدي مجتمعة – إذا استمرت وتزامنت – إلى أزمة  اقتصادية عالمية جديدة أما إذا استمرت هذه القضايا وتزامنت مع استمرار صعود الداو إلى مستويات تاريخية جديدة فإن ذلك يبشر بحدوث فقاعة جديدة أو كارثة اقتصادية هائلة  لا أحد يعرف كيف ستنتهي ولا أحد يريد أن يراها تحدث .