لم يُحرم المواطن من الصكوك والسندات

27/04/2013 4
د. حمزة السالم

الصكوك والسندات أوراق مالية تمويلية بقيمة دفترية لا تتغير مطلقاً، لأنها لا تمثل ملكية في الأصل الممول فلا تنمو معه ولا تتعلق أرباحها بأرباحه ونموها، فلا مجال للمضاربة فيها برفع أسعارها أو خفضها بصورة كبيرة كالأسهم.

فالأسهم هي كذلك أوراق مالية تمويلية إلا أنها تمثل ملكية في الأصل الممول، ولذا تقع المضاربات فيها بسبب توقعات تغير قيمتها الدفترية بنمو قيمة الأصل وتغير أرباحها بتغير أرباح الأصل.

وفي سوق التداول للصكوك والسندات والأسهم، لا تكون القيمة الدفترية هي المعتبرة بل القيمة السوقية.

ولكن القيمة السوقية معتمدة في الأساس على القيمة الدفترية للورقة المالية وعلى الأرباح المتوقعة منها -سهماً كانت أو سنداً أو صكا-. ولذا فالقيمة السوقية للصكوك والسندات ثابتة إلى حد كبير بسبب عدم تغير قيمتها الدفترية مطلقا -فهي دين- وبسبب معرفة نسبة الأرباح التي ستوزعها، بغض النظر عن أداء الشركة أو نموها. أما الأسهم فالقيمة الدفترية والأرباح الموزعة متعرضة للتغير بشدة على حسب نمو الشركة وحسن أدائها. 

وهذا لا يعني خلو السندات والصكوك من المخاطرة تماماً، إلا أن المخاطرة في تدهور قيمتها السوقية مخاطرة محدودة وغير متكررة وسهل توقعها. فمن حيث الأرباح، فإن المخاطرة في السندات والصكوك مرتبط بتغير سعر الفائدة العام. وهذا أمر يمكن توقعه كما أنه لا يحدث بنسبة كبيرة، ويكن تجنبه بأن تكون فوائد الصكوك مرتبطة بمؤشر فائدة متغير كما هو الحال في الصكوك التي عندنا اليوم.

ولو كانت الصكوك والسندات ثابتة الفائدة وارتفع سعر الفائدة العام كالسايبر، فإن هذا ينعكس على القيمة السوقية للسند أو الصك فينخفض بمقدار ارتفاع سعر الفائدة والذي يكون عادة بسيطاً وعلى مراحل زمنية متباعدة. المخاطرة الأخرى للسندات والصكوك هو انخفاض التصنيف الائتماني للشركة أو الأصل الممول.

وهذا في أسوأ لأحوال قد يخفض السوقية إلى حد كبير إذا أفلست الشركة ولا يوجد ما يكفي لتغطية حقوق الدائنين ومنهم حملة الصكوك والسندات. وهذه المخاطرة في السندات والصكوك هي مخاطرة مدفوعة القيمة.

فكل ما ارتفعت مخاطرة الإفلاس للشركة، كلما ارتفعت فوائد السندات والصكوك الممولة لها. وعموماً فإن القيمة السوقية للسندات والصكوك غالباً لا تتأرجح صعوداً ونزولا بهامش أكثر من 1% بخلاف الأسهم التي تصعد وتنزل قيمها -وخلال فترات قصيرة- أضعافا مضاعفة.

السندات والصكوك الحكومية وللمشروعات المتعلقة بها وللشركات الكبرى ليس فيها مجال مخاطرة يذكر. وهي في العادة ملجأ للمواطنين لحفظ أموالهم فيها بعوائد تغطي لهم ما تفقده أموالهم من قوة شرائية بسبب التضخم، ويستطيعون تسييلها -ببيعها في سوق تداول- وقت ما شاؤوا بكلفة لا تذكر وبضمان حفظ رؤوس أموالهم. وسوق السندات والصكوك هي السوق التي تحرك الأموال من الذين يملكونها ولا يريدون المخاطرة بها -للطوارئ أو لمشروعات مستقبلية- إلى الذين لديهم مشروعات وتنقصهم السيولة.

وبعبارة مبسطة، فإن المواطن يصبح هو البنك الذي يمول المشروعات، كل على قدر دراهمه. والناس عندنا منذ قديم لا يدرون أين يضعون أموالهم. فإما يجعلونها جامدة تأكلها الزكاة والتضخم، وإما يضاربون فيها في الأراضي وإما يحرقونها في سوق الأسهم. 

وقد اتجهت الدولة الآن لتمويل مشروعاتها بالصكوك -وهي سندات 100%- ولكن حُكرت هذه الفرصة على البنوك والأثرياء وذلك بجعل قيمتها مرتفعة جداً تصل إلى مليون ريال. وحتى صكوك الشركات المتداولة، مرتفعة القيمة.

ولم تساهم سوق المال بمبادرة تقسيمها إلى قيمة ألف ريال لكي يتمكن عامة الناس من شرائها رغم جمود سوق السندات والصكوك لسنوات الآن بسبب ذلك، بينما لم يترددوا في تقسيم السهم إلى عشرة أسهم لتخفيض قيمته وزيادة تسهيل شراءه وزيادة المضاربة عليها. فمن هو المستفيد ومن هو المتضرر؟. 

المستفيد الأول هو البنوك.. فالناس ليس لديها مكان تودع أموالها إلا في البنوك؛ والبنوك لا تدفع فوائد عليها أو تدفع -لبعض الخاصة أصحاب الودائع الكبيرة- أقل مما يمكن أن يتحصله المواطن من الصكوك والسندات. ثم تستخدم البنوك أموال الناس المودعة لشراء الصكوك والسندات، فتحقق أرباحها المتزايدة يوماً بعد يوم من أموال المودعين الذين حُرموا من شراء الصكوك والسندات.

وهذا خاصة إن علمنا بأن المشروعات الكبرى للدولة وغيرها تذهب غالب أموالها إلى الشركات الأجنبية المنفذة. فهذا يعني أن ما سيفقده البنك من أموال المودعين التي ذهبت في شراء الصكوك لن تعود إليه بل لبنوك أجنبية.

فلم يحدث هذا، رغم أن فتح هذا المجال للمواطنين فيه تنفيس لهم بإيجاد مخرج لأموالهم الجامدة وفيه إحياء لسوق السندات والصكوك؟ أعتقد أن هذا يعود لسببين اثنين: الأول إن مشاركة عامة الناس في هذا سيكشف للناس حقيقة الصكوك بأنها ديون، حيث أن ليس فيها مجال للتمويه والتضليل كما هو الممارس في التمويلات البنكية.

والاتجاه الظاهر هو إحياء سوق التمويلات ولو على تغطية حقيقتها، بدعم التأثير الديني. وأقول: إن هذا سينكشف للناس عاجلاً أو آجلاً، إذا استمرت سوق التمويلات في النمو، وأرادت الدولة التخلي عن نموذج التخطيط المركزي والاعتماد عليها في التمويلات وخلق طبقة وسطى حقيقة.. وكان من الأولى في رأيي، أن نبني سوقنا التمويلية على الوضوح ابتداء، لكي لا ندفع الثمن غالياً لاحقاً.

والسبب الثاني هو المجموعة التي تتخذ القرارات -عادة- ما تكون من المجموعة التي لها مصالح كثيرة في البنوك وصداقات ومجالس مع التجار والأثرياء، فتتأثر قراراتهم بذلك -وقد يكون من غير قصد لهذا فالجليس صوته مسموع- فلا ترى أعينهم إلا السلبيات من مشاركة المواطن البسيط في هذا الخير.

وقد يأثرون حتى على المستشارين الأجانب، الذين يفهمون سياسة ورغبات صانعي القرار بحرمان الناس من الصكوك والسندات، فيجعلون نتائج دراساتهم موافقة لهذا الاتجاه، ويخفون الفوائد العظيمة من تخفيض قيمة السندات والصكوك على السوق المالية وعلى المواطن وعلى الاقتصاد ككل، ويعظمون عيوبه.

وأقول للمخلصين من صانعي هذه القرارات: أشركوا المواطن البسيط -المخلص المدرك والشجاع بإظهار رأيه- معكم في جهودكم عند بحث وضع القرارات فهو قادر على أن يريكم الجهة العمياء التي لا يمكنكم رؤيتها بسبب كثرة أضواء مشاركة البنوك والأثرياء في هذه القرارات مباشرة أو عن طريق الاستماع لنصائحهم وآرائهم في المجالس الخاصة.

نقلا عن جريدة الجزيرة