وضع الفقهاء شروطا للزكاة، ولم يفرقوا فيها بما هو مختص بالمال أو بالشخص، أو ما إذا كان الشرط مباشرًا أو أصلا أو تابعا. وعند التمحيص سنرى أن أكثرها لا يُعد شروطًا.
فمنها ما هو سبب ومنها ما هو ممتنع شرعًا وعقلاً، كونه شرطًا في المال الزكوي.
والخلافات في زكاة مال الصغير والمجنون، إنما نبعت من شروط اُشتهر عند الفقهاء الاتفاق عليها، وهي الإسلام والتكليف.
والإسلام سبب التكليف بالأحكام الشرعية، فبه انقدحت الأحكام في الشخص، فأصبح مكلفا.
فلا يوجد الإسلام ثم لا يدخل المسلم تحت عموم وجوب الصلاة والصيام عليه، وكذلك لا يوجد الإسلام ثم لا يدخل المسلم تحت عموم تكليف الزكاة بغض النظر تملكه النصاب أم عدمه، أو بلوغه أو عقله.
بدليل أنه يُحكم بإسلامه، فيدفن مع موتى المسلمين، ولو كان رضيعا أو مجنونا.
وجعل الإسلام شرطا، يعني أن الإسلام يوجد ثم لا يوجد معه التكليف، وهذا باطل.
فحد الشرط أنه لا يلزم من وجوده الوجود، فالشرط تابع للمشروط خارج عنه ليس بمتبوع، فلا ينتج عن الشرط لزوم الشيء.
فالطهارة شرط وهي تابعة للمشروط وهي الصلاة.
ومعنى هذا أنه لم ينتج عنها وجوب الصلاة، ولكن وجوب الصلاة عموما ناتج عن الإسلام.
والتكليف أمران تكليف وجوب وتكليف أداء.
فالإسلام إذن هو سبب تكليف الوجوب والأداء للصلاة، لا شرطها.
وسبب وجوب كل صلاة معينة، هو دخول وقتها.
وأداء حكم الصلاة متعلق بالشخص، فالصلاة حكم تعبدي محض، فيسقط تكليف الأداء بمانع الجنون أو بغياب شرط البلوغ.
فصحة كون الإسلام سببًا للزكاة لا شرطا، نابع من أن السبب سابق للأثر/أي الحكم، فالسبب ينتج عنه لزوم الأثر التابع له.
وأما الشرط فتابع لا ينتج عنه حكمًا، إنما يدخل على الحكم بعد وجوده.
فالإسلام إذن سبب التكليف بأداء الزكاة، وسبب زكاة مال معين هو النصاب، فالنصاب هو سبب وجوب حكم الزكاة، فحكم الزكاة إذن متعلق بالمال لا بالشخص.
وتكاليف أداء الإسلام التعبدية تقع على ذات الشخص، ثم تلحق الشروط والموانع بأداء المسلم، فترفع عنه تكليف الأداء أو تمنعه.
كالحيض يقع على المرأة فيمنعها أداء صلاة معينة وصيام أيام معينة، لا وجوبهما.
أما الزكاة فهي تعبدية ذات جانب معاملاتي.
فتكليف أداء الزكاة يقع على المسلم، أما وجوب الزكاة ففي المال.
لذا لا تسقط أداء الزكاة في مال المجنون والصغير إلا بوحي، ما دام قد شُرعت الزكاة في مالهما بالوحي.
وبما أن أداء الزكاة له متعلق خارجي عن ذات الشخص، وهو المال الزكوي، فهو أمر غير تعبدي، فيقوم بأدائه ولي أمر المال.
ودليله عموم جواز الإنابة في الأداء عند تعلق الأداء بمتعلق خارجي عن ذات المسلم، ثابت في الصحيحين بحديث العباس «أدركت أبي شيخاً كبيراً لا يستطيع أن يثبت على الراحلة، أفأحج عنه؟ فقال: «نعم»»فإذا قيل، يجب إذن الحج عن كل مجنون وصغير مات ولم يدرك الحج.
قلنا إنما جاء الحديث بالجواز بالإنابة استثناء لمن أراد، في حال عدم استطاعة الحج، دون نذر الحج، أما الأصل فالوجوب متعلق بالاستطاعة لقوله تعالى {وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً}.
والزكاة لم يرد فيها وحي يوحي -لو إشارة- باستثناء مال من الزكاة.
وشاهده أنه لو كان جباة رسول الله -عليه الصلاة والسلام- يسألون عمن يملك الإبل والغنم ليعملوا سنه وعقله فيستثنوا الصغير والمجنون لنقل إلينا هذا.
نقلا عن الجزيرة