التصحيح في الأسواق المالية

22/04/2013 1
لؤي بديع بطاينة

عادة ما نُشاهد حركات تصحيح وتعديل في أسعار الأسهم في الأسواق المالية بعد موجة من الارتفاعات أو الانخفاضات نتيجة إما إقبال المُستثمرين على حركات وموجات جني أرباح (تعتمد على نوعية المُستثمرين وأحجامهم) أو توارد معلومات ونتائج وإفصاحات تؤدي إلى قيام مُديري الاستثمار والمحافظ والصناديق المالية والاستثمارية بإعادة ترجيح وتوزين وتشكيل لمحافظهم وصناديقهم الاستثمارية.

وعادة، ومن المُتعارف عليه بأنه، عندما ترتفع أسعار الأسهم في الشركات المُدرجة أسهمها في أية بورصة أو سوق للأوراق المالية لدرجة مُبالغ فيها (بالنسبة للمحللين والمُختصين) وكثيرا ما يحدث هذا الذي يُطلق عليه العامة والخاصة بحركة تصحيح للأسعار وعمليات جني للأرباح، ويعتقد الغالبية من المُضاربين والمُستثمرين وخصوصا صناديق المُضاربة والتحوط (المتواجدة عالميا) بأن التصحيح لأسعار الأسهم القادم سيكون بالاتجاه الهبوطي والمُعاكس، وعندما تنخفض الأسعار للأسهم لدرجة مُبالغ فيها (بالنسبة للمُحللين والمُضاربين) ومن الطبيعي أن يحدث هذا في أي سوق ومنطقة واقتصاد نتيجة العديد من العوامل التي أشرنا إليها أعلاه، فمن المُرجح أن يتبع ذلك اتجاه مُعاكس وعمليات تصحيح صعودي ينتج عنها عمليات شراء وتجميع لأسهم شركات مُنتقاه تكون أسعار أسهمها وصلت لمستويات مُغرية وجذابة بالنسبة للمُستثمرين، آخذين بعين الاعتبار بأنه لا يوجد من عوامل فنية وكمية وجيوسياسية تؤثر سلبا على عمليات الاستثمار بشركة و/أو قطاع و/أو سوق و/أو عملة و/أودولة ما.

كما نعرف بأن الأسواق المالية العربية (ومنها سوق مسقط للأوراق المالية) تَعرّضت أسعار أسهمه ومؤشراته لهبوط شديد في الأسعار ومستوياتها لحدود مُبالغ فيها للغاية (في السنوات الثلاث الماضية) نتيجة ظروف خارجية لا علاقة مباشرة لها باقتصاديات الشركات ذات العلاقة في غالب الأحيان.

وعليه قام العديد من المُستثمرين والصناديق الاستثمارية بإعادة دراسة أوضاعهم المالية وأوضاع الشركات ومؤشراتها المالية والاقتصادية وبدأوا في الرجوع للأسواق المالية وخصوصا مع ظهور مؤشرات ساعدت الشركات والدول والقطاعات والشركات المختلفة في تحقيق أداء مُميز في العام الماضي وعلى وجه الخصوص في النصف الثاني من العام الماضي من خلال أداء مالي شهد له غالبية المُحللين والمُختصين ولذا فمن المرجح أن تحدث حركة تصحيح تصاعدية ثانية لتلك الأسواق مُستفيدة من حالة ومستوى أسعار الفائدة واستمرار تدنيها لمستويات الصفر والتطورات التي حدثت في قبرص فيما يخص فرض الضرائب على الودائع النقدية وبالتالي حدوث تحول من المودعين من تلك الدول الأوروبية لدول عربية مُنفتحة ماليا واقتصاديا وسياسيا ولم يتم تاريخيا بفرض أية ضرائب و/أو رسوم على المودعين، ومنها للاستثمار في الأسواق المالية العربية (كما نتوقع).

كما يحلو للبعض بالقول بأن رأس المال جبان على الدوام، والذي يعني بأنه يُسارع للهروب عند أول إشارة مؤشرات أو علامات خطر، وعلى الرغم من أنه جبان (كما يُقال) فقد يستغرب أحد المُحللين بقيام المُستثمرين بالهجوم على بيع الأسهم بأية أسعار وتَقَبُلّ الخسارة مهما كان حجمها وقيمتها الكبيرة، وكأن الأسهم سوف تفقُدّ قيمتها فورا في حال عدم بيعها (إلا إذا ما كان قرار الشراء غير مبني على أُسس صحيحة وسليمة ومنطقية بحتة وبدون الارتكاز على مبدأ المُضاربة فقط).

السؤال ليس ما إذا كان هذا التصحيح سوف يحصل أم لا ، بل متى يحصل (في حال عدم حصوله)؟.

برأي العديد من المُحللين والمُستثمرين بأن جميع المؤشرات المالية والكمية والفنية، تُفيد وتَدُلّ على أن قدرة الشركات وخصوصا الكبرى على قيامها بتحقيق نمو للأرباح نموا مُستداما موضع تساؤل كبير وخصوصا في ظل المنافسة الكبيرة والشديدة ما بين الشركات وخصوصا في منطقتنا العربية بشكل عام والخليجية بشكل خاص نتيجة ارتفاع كلف الإنتاج والتشغيل وتوجه الحكومات نحو الاستثمار والإنفاق في البنية الاجتماعية والتحتية والأساسية وعدم الاستثمار المٌباشر في العديد من القطاعات الأخرى والتي كانت على الدوام تقوم بالاستثمار بها.

بلا مجال للشك قامت الشركات الخليجية خلال العام 2012 بتوزيع أرباح نقدية مُجزية وقدرتها على التوزيع لهذه السنة (2013) كبيرة، ولا تقل عما كانت عليه في العام الماضي، فالإنتاج الصناعي ارتفع، والصادرات ارتفعت،وارتفع الطلب الاستهلاكي بنسب مُتزايدة نتيجة ارتفاع مُعدلات التشغيل والطلب والإنتاج بنفس الوقت،وعلى الرغم من وجود وارتفاع مُعدلات التضخم إلا أنه ما زال مُراقبا وصحيا لهذه المستويات، بل إن التضخم بحد ذاته من شأنه (كما يقول المحللون) أن يُساعد على زيادة الأرباح ويرفع قيمة الشركات السوقية نتيجة تعديل أسعارها تجنبا وتحوطا من التضخم، لأن موجوداتها الثابتة تحتفظ بقيمتها الحقيقية.

وعليه نرى بأن، رحلة العودة بدأت للأسواق المالية، وعلى الرغم من أنها عودة متأنية إلى أسواق مالية مُعينة، مع توقع استمرار النمو في الائتمان المصرفي للقطاع الخاص في دول مجلس التعاون الخليجي بُمعدلات أسرع من سابقاتها.

إن موجة وحركات التصحيح كانت وما زالت جزءا لا يتجزأ من أي سوق مالي ولها أسبابها ومُسبباتها، ولكن في ظل وجود ظروف وعوامل داخلية وخارجية مُتغيرة على الدوام تؤدي وتؤثر إلى تَغير قرارات المُستثمرين (سواء بيعا و/أو شراء). بكل تأكيد إن الأسواق المالية أصبحت أكثر جاذبية وإيجابية وأنه آن الأوان للعودة للأسواق المالية لعدد كبير من الأسباب، وخصوصا بعد التعديلات الكثيرة والهامة في العديد من الإجراءات التنظيمية وخصوصا فيما يتعلق بحوكمة الشركات والأطراف ذات العلاقة.

ان وضع قواعد وأنظمة ومواثيق تستهدف تنظيم وضبط الأسواق المالية وقطاعاتها المُختلفة وقيام البنوك المركزية بمراقبة توسع القطاع المالي يُعد (على الدوام) من الأمور الإيجابية التي يأخذ بها المستثمرون والمحللون.

ويُجمع المحللون بأن الحركات التصحيحية للأسواق المالية ومؤشراتها وأسعار أسهمها والتي تتعرض إليها على الدوام هي حركات إيجابية وصحية وتُعطي على الدوام دروسا لجميع الأطراف بضرورة مُراقبة تلك الأسواق ومؤشراتها وأسعار أسهم الشركات ومراقبة أدائها ومستويات أسعارها وخصوصا من قبل المُضاربين والمُستثمرين.

بكل تأكيد إن ما يحدث الآن في الأسواق المالية الإقليمية هو نوع من التصحيح المطلوب، بعد أن أظهرت المؤشرات الفنية أن هناك حالة من (الإفراط في الشراء)، خصوصا في أسواق مالية مُعينة، كما أن الارتفاعات التي حدثت منذ بداية العام جعلت الأسواق المالية تترقب (شرارة التصحيح)، بمعنى أن الأسواق كانت تنتظر حجة أو سببا للانخفاض، وهو ما توافر بعد بدء الإعلان عن نتائج الربع الأول من هذا العام.

وكما يرى العديد من المحللين بأن عملية التصحيح جاءت بسبب عوامل داخلية بحتة خاصة بأداء تلك الشركات، وهو ما يظهر أن الأسواق لم تَعُدّ مُرتبطة بالأسواق العالمية، وأصبحت تتأثر بالعوامل الداخلية أكثر من الخارجية وهو ما يُستحب ذكره والاشارة إليه.

نقلا عن جريدة عمان