قد تكون الرؤية غير واضحة بخصوص البيئة الاستثمارية وطبيعة وشكل الظروف والاقتصادية القادمة، وكما نعرف أن أي قرارات استثمارية ومالية لا يُمكن اتخاذها إلا في ظروف ومناخات اقتصادية واضحة وآمنة ومُريحة، وكلما كانت الظروف الاقتصادية والرؤية للمنطقة غير واضحة، يصعب اتخاذ القرار الاستثماري.
إن القطاعات الاقتصادية المُختلفة تدعو الحكومات وخصوصاً الخليجية بضرورة إيلاء الوضع الاقتصادي الاهتمام ومضاعفة الجهود لتحسين بيئة الاستثمار والأعمال والإسراع بمعالجة التحديات التي يعانيها القطاع الخاص والعمل سريعاً لجذب الاستثمارات الأجنبية وخصوصاً في المشروعات العملاقة.
إن الدعوة التي جاءت مرارًا من قبل القطاع الخاص والعام أيضاً بضرورة تفعيل ودعم بيئة الاستثمار من خلال تفعيل الشركة الحقيقية مع القطاع الخاص ومن خلال برامج الشراكة بين القطاعين العام والخاص أو بما يُسمى Public Private Partnership (PPP) من أجل جذب وزيادة الاستثمارات على اختلاف أنواعها وأجناسها وأحجامها وتذليل كافة أشكال الصعوبات والمعوقات التي يواجهها المُستثمرون المحليون والأجانب على حد سواء.
الكل يؤكد أن الظروف والتحديات المالية والاقتصادية التي تمر بها منطقة الخليج العربي من الواجب أن تؤخذ بعين الاعتبار عند دراسة وإعادة ترتيب الأولويات والخطط والبرامج الاقتصادية والعمل على التصدي لأي معوقات وظروف غير مواتية والعمل والاستناد إلى سياسات وخطط مدروسة قادرة على التخفيف من الظروف المالية والاقتصادية الصعبة التي يواجهها القطاعان العام والخاص مُجتمعين في هذه الدول عبر بلورة سياسات اقتصادية وتنموية تعمل على تعزيز إنتاجية وتنافسية القطاعات الفاعلة في تلك الاقتصاديات.
إن المُتتبع للأخبار والإفصاحات والتقارير الصحفية والاقتصادية الواردة من أروقات الحكومات والوزارات المعنية يلمس أن الحكومات جادة كل الجد في العمل على إزالة كافة العوائق البيروقراطية أمام الاستثمار المحلي والأجنبي، والتسهيل لها وتقديم كافة أشكال الدعم الإداري والفني والتشريعي.
قد يقول البعض إنه لا يُمكن العمل على تفعيل وتحفيز وجذب الاستثمارات إلا في حال العمل على إجراء العديد من التعديلات على القوانين الاقتصادية الخاصة بالاستثمارات والعمل على أن تكون المنطقة كبيئة استثمارية محفزة للعمل والإنتاج وتوفير فرص العمل والعناية بها وتدريبها وتوطينها.
ومن تلك القوانين الاقتصادية والتي من المؤمل لها أن تُحفز بيئة الاستثمار والأعمال وعلى رأسها قوانين الشركات وضريبة الدخل والاستثمار وتعليمات وقوانين العمل والاستيراد والتصدير والتأكد من توفير مصادر الطاقة وأهمها الغاز الطبيعي وطريقة تسعيره وتوفيره في المُستقبل وللتأكد من ثبات تلك التعديلات على القوانين والتعليمات وعدم تغييرها للأخذ بها عند إعداد الدراسات الفنية والاقتصادية والمالية عند دراسة الجدوى الاقتصادية لأي مشروعات وبرامج استثمارية.
بكل تأكيد إن دول الخليج العربية بدأت تُعاني من آثار الانخفاض الشديد في العائدات النفطية والتأثيرات اللاحقة على الموازنات العامة لها وما أدى إلى مشاكل اقتصادية بدأنا نلمسها ونراها مما أثر على الأداء الاقتصادي والمالي وأدى ذلك الى قيام الدول بتغيير الخطط الاستراتيجية الاقتصادية والاستثمارية للكثير من الدول نتيجة للظروف والمتغيرات الاقتصادية والمالية الجديدة.
برأي العديد من المُحللين أنه يجب على دول الخليج العربي أن تقوم بالتركيز على موقعها الجغرافي والمالي والاقتصادي ما بين الدول وخصوصاً في الصناعات البتروكيماوية والتي ترتكز على البترول والصناعات المرادفة له والتي تُشكل قيمة اقتصادية ومالية واستثمارية كبيرة ومهمة من الصعب وجودها في دول أُخرى. والصناعات البتروكيماوية تُعد داعماً قوياً ومُستمراً للتنمية الصناعية في المنطقة. حيث تتميز دول الخليج بميزة تنافسية في الصناعات التحولية ذات القيمة المضافة لما يتوفر فيها من صناعات أساسية كبرى تحوي العديد من المنتجات الصناعية المختلفة.
ويُشير العديد من الاقتصاديين إلى أن هذه الفترة التي تواجهها دول الخليج العربي من تقلبات شديدة وقاسية في أسعار النفط وموازين مدفوعاتها وتجارتها وإيراداتها. يجب أن يؤدي ذلك إلى قيام دول الخليج العربية باقتدار وبثبات إلى العمل على استغلال تلك الميزة التنافسية من أجل تحقيق النمو الاقتصادي واستغلال البنية الأساسية والاستثمارات في الصناعات التحويلية في البتروكيماويات لما لها من أثر كبير وإيجابي على تشكيلة الاقتصاد وموازين المدفوعات كونها صناعات تصديرية في المقام الأول وذات قيمة مُضافة كبيرة ومن الصعب وجود منافسين وخصوصاً كون تلك الصناعات تستلتزم استثمارات مالية ضخمة.
من جانب آخر يجب أن تقوم خطة جذب المُستثمرين واستثماراتهم على أُسس قد تختلف من دولة وأُخرى طبقاً لحاجة وظروف كل دولة ومن تلك الأُسس:
أن يتمتع الاستثمار المُرخّص له بموجب القانون بجميع المزايا والحوافز والضمانات التي يتمتع بها الاستثمار الوطني حسب الأنظمة والتعليّمات.
أن يضمن الاستثمار إيجاد فرص عمل جديدة للمواطنين.
أن يكون للاستثمار قيمة مُضافة للاقتصاد الوطني.
أن يكون الاستثمار يمتاز بخصوصية جديدة وخصوصاً إن كانت فنية وتكنولوجية ذي تقنية عالية.
أن يكون الاستثمار له جودة عالية في التنفيذ والتطبيق، مضيفا إنه ليس مهما زيادة عدد الشركات المستثمرة بقدر ما هو مهم نوعية تلك الشركات.
ويجب أن لا ننسى بأن المُستثمرين على الدوام لهم نظر وحساسية تجاه القوانين والأنظمة التي ترتكز عليها المحاكم النظامية ولجان وهيئات فض المنازعات التجارية والعُمالية والتأكد من وجود أنظمة وقوانين عادلة وشفافة وغير قابلة للتأجيل والتأويل وخصوصاً بمسألة تسوية النزاعات التجارية والمالية والحقوقية الخاصة باستثماراتهم وأعمالهم وماهية الجهات والمحاكم التي تختص بالنظر بأي نزاع ينشأ بين مشروعاتهم الاستثمارية والغير أيا كان وهل يجوز الاتفاق على اللجوء في هذه النزاعات إلى التحكيم في الخارج.
يجب أن نؤكد أن أي استثمار ومُستثمرين في المقام الأول يبحث عن الأمان المالي والاقتصادي والأمني والنفسي لاستثماراتهم وأموالهم وليس من المُمكن أن نقول إن المُستثمرين الهدف الأول والأخير لهم هو العائد المالي بدون الحديث عن العوائد والعوامل الأخرى التي قد تجذب المُستثمرين.
إن أي قرار أو قانون بفتح الاستثمار أمام المُستثمرين وخصوصاً الأجانب في أي دولة وطبقاً لعدد من الآراء، كان سيؤتي ثماره بشكل أكبر لو أتيحت فرصة لتحرير هذه القرارات والقوانين من بعض القيود المتضمنة فيه سواء كانت شروطاً و/أو طلبات مبهمة وغير واضحة بالنسبة للمُستثمرين وخصوصاً قوانين وتشريعات العمل والتوظيف.
نقلا عن عُمان