قد يكون من أكثر الأسئلة تداولاً وبحثاً ودراسةً وبحثاً فيما بين الاقتصاديين والمُحللين أو من خلال مُحركات البحث العالمية وعلى شبكة المعلومات العالمية هو بمُستقبل الخطط التنموية ومصيرها وخصوصاً ما بعد الانهيارات المُستمرة لأسعار النفط والإيرادات الحكومية المُرتبطة بها في دول الخليج العربي وتآكل الاحتياطيات النقدية وضعف قدرة تلك الدول على الاستمرار بتنفيذ خططها التنموية وإدامتها وتقدمها والاستمرار بصياغة وتنفيذها لتلك الخطط كما كان سابقاً ومُساهمتها في دعم واستقرار الاقتصاديات الوطنية.
إن التأكد من قدرة تلك الدول على تحقيق الاستراتيجيات الوطنية نحو تحقيق التنمية الوطنية الشاملة والمُحافظة على الإنجازات المهمة والكبيرة التي تم تحقيقها والتي جاءت أيضا نتيجة الفوائض المالية والنقدية التي تم تحقيقها وتجميعها وتخصيصها من قبل الحكومات خلال السنوات الماضية، أصبحت مجالا للتساؤلات والاستفسارات من قبل غالبية المُتابعين والمُحللين وتأثيراتها وانعكاساتها على مُعدلات النمو الاقتصادي والاجتماعي وتأثيراتها أيضاً على تدفق الاستثمارات البينية من وإلى الدول وكذلك الاستثمارات الأجنبية وبالوقت نفسه قدرة القطاع الخاص على الإحلال محل القطاع العام في تنفيذ عدد كبير من الخطط والبرامج والمشاريع المُخطط لتنفيذها من قبل الحكومات سابقاً.
لا يوجد مجالاً للشك بأن ما حققته الخطط التنموية الشاملة من أهداف ومنجزات والتي كانت تنصب في مجملها على تقليل اعتماد الاقتصاديات الوطنية على إنتاج وتصدير النفط كمصدر رئيسي للدخل الوطني وكذلك تنويع قاعدة الاقتصاديات وذلك بالتركيز على تطوير القطاعات الصناعية والزراعية والخدمات والعمل على زيادة مساهمتها في الناتج المحلي الإجمالي لدول الخليج العربي. ولكن مع مقارنة ما تم التخطيط له وبرمجته بما تم تحقيقه والإعلان عنه نجد أن التباينات كبيرة وفي بعض الأحيان مُخيفة حيث ما زال دخل النفط والغاز يمثل أكثر من 70-80 % من الإيرادات الحكومية (مقارنة مع مع تم التخطيط له والبالغة 40 %) وما زالت الإيرادات من النفط والغاز تشكل أكثر من 40 % من مجمل الناتج المحلي الإجمالي لدول الخليج العربي (مقارنة مع ما تم التخطيط له والبالغة 19 %).
ومن أجل بيان تنامي مُساهمة صناعة النفط والغاز في الناتج المخلي لدول الخليج العربي خلال 40 عاماً الماضية، نجد أنه لم تزد نسبة مساهمة صناعة النفط والغاز في الإيرادات الحكومية في بداية السبعينيات من القرن الماضي عن 45 % فقط، ولكن بعد ارتفاع أسعار النفط عام 1974م واستمرار ارتفاعها ارتفعت هذه النسبة لتصل إلى أكثر من 80% وهي أعلى نسبة وصلتها هذه الصناعات خلال العقود الأربعة الماضية.
وعلى الرغم من تنامي التخوف بقدرة الاقتصاديات الخليجية بتحقيق التنمية المُستدامة، تُشير التوقعات الحكومية إلى أن الاقتصاديات الخليجية سوف تستمر في النمو بصورة إيجابية وإن كانت بمُعدلات أقل نتيجة التطورات غير المواتية في أسواق النفط والانخفاض والتباطؤ النسبي في الإنفاق الحكومي الخليجي لأسباب عديدة منها ما هو معروف ومنها ما هو سيتم الإعلان عنه لاحقاً.
ويعتقد عدد من المسؤولين الخليجيين ومنهم وزير النفط السعودي (السابق) أن هذه التوقعات مبنية على عدد من العوامل منها:
1. إن أسعار النفط هي الآن رغم المستوى المتدني الذي وصلت إليه قد أخذت توجها تصاعدياً بعد اتفاق الدوحة في فبراير الماضي.
2. ارتفاع أسعار النفط من السعر المتدني والذي وصل إليه، عندما انخفض إلى ما دون 30 دولاراً للبرميل، ورفعه إلى مستوى يحوم حول 40 دولاراً.
3. ومن المتوقع في حال الاتفاق على تحديد وتجميد سقوف الإنتاج في الاجتماع القادم والمنوي عقده في روسيا ربما يصل به إلى مستويات 50 دولاراً أو أكثر. وهذا سعر يناسب كثيراً خطط الموازنات العامة للدول وكذلك خطط وبرامج التنمية.
يجب ألا ننسى أن القرارات والخطط والبرامج الحكومية الخليجية والتي بدأت العمل بها والتخطيط لها الدول الخليجية فيما يُسمى بالإصلاحات المالية والهيكلية يجب أن يؤتى أكلها خلال مدة قصيرة جدا، حيث لمس الكل التأثيرات المالية الإيجابية على الموازنة العامة للدول ما بعد رفع الدعم عن المُشتقات النفطية وأيضاً إعادة تسعير بعض الخدمات والسلع الحكومية سواء كانت من كهرباء وماء وتعرفة جمركية وأسعار بعض الخدمات الأخرى.
وهذه الإجراءات والإصلاحات المالية والاقتصادية كان من الصعب الإعلان عنها، لا بل مُجرد التفكير بها عندما كانت أسعار النفط مُرتفعة والتي (ارتفاع أسعار النفط) كانت تُشكل عقبة أمام إجراء أي اصطلاحات مالية واقتصادية جذرية. لأن الإيرادات النفطية كانت آنذاك تكفي أي نفقات حكومية وتنموية جارية ورأسمالية مما يعني عدم حاجة الحكومات لأي حوافز وعوامل تؤدي بها إلى إجراء أي إصلاحات اقتصادية علاوة على التخوف من وجود مقاومة نفسية وشعبية لأية قرارات آنذاك، وبالتالي أصبح الآن من الفرصة أن تقوم تلك الحكومات بأي إصلاحات مالية واقتصادية وإعادة توجيه الدعم المالي والنقدي لأصحاب الدخول المتوسطة والمتدنية والمناطق الأقل حظاً.
برأي غالبية الاقتصاديين أن الوقت والفرصة أصبحت مواتية لإعادة التفكير بطرق ونوعية الدعم الحكومي للسلع والخدمات والمرافق الحكومية وبطرق أكثر ذكاءً وحكمةً وعملية.
نعم يجب أن يتم الاستمرار بتنفيذ الخطط والبرامج التنموية ولكن على أساس اقتصادي واجتماعي يتم الأخذ بعين الاعتبار الظروف والعوامل المالية والاقتصادية الجديدة ومسألة الجدوى الاقتصادية لأي مشاريع على أساس عدم تواجد أي دعم مالية واقتصادي وحكومي وقانوني لاحقاً.
إن المُتتبع لأسعار النفط وتقلباته يجد أن أسعار النفط شهدت خلال الفترة ما بين الأعوام (2002-2009) تأرجحاً شديداً وبموجات لم يسبق لها مثيل في التاريخ الاقتصادي لسعر برميل النفط. حيث ارتفعت أسعار النفط من مستويات 30 دولاراً لأكثر من 145 دولاراً خلال السنوات الثماني تلك مع هامش تذبذب لأكثر من 60 % للفترة نفسها مما يجعل من الصعوبة بمكان لتلك الدول ربط خططها التنموية والاجتماعية بأسعار النفط.
حيث أدى ارتفاع أسعار النفط لمستويات غير مسبوقة في السابق إلى قيام الحكومات الخليجية بالإعلان عن مشاريع عملاقة وغير طبيعية ومن الصعب التفكير بها سابقاً إلا في ظل ارتفاع أسعار النفط لتلك المستويات الخرافية وأيضاً قيام الحكومات بزيادة تقديم دعمها للسلع والخدمات والتي أصبحت تقديمها شبه بالمجان والذي أيضاً ساعد في بعض الأحيان ارتفاع شريحة المُستهلكين للسلع والخدمات والمزيد من الضغوطات علة موازين المدفوعات والموازين التجارية وخصوصاً فيما بعد الانخفاض الكبير لأسعار النفط.
وفي الختام أنه وبالرغم من التحديات التي تواجه دول الخليج العربي على وجه التحديد جراء انخفاض أسعار النفط وارتفاع العجوزات المالية في موازناتها الحكومية، إلا أن ذلك لن يكون مانعاً لتلك الحكومات لتسخير الجهود والسبل والسياسات والإصلاحات المالية والاقتصادية لتوفيرها الآن ومستقبلاً بشكل يضمن استدامة النمو والتنمية من أجل الأجيال القادمة.