إذا عرفنا الحقيقة.. فلن نلوم وزارة العمل

02/04/2013 14
د. فواز العلمي

الإخفاق في توطين الوظائف ناجم عن تراجع النظام المؤسساتي لبيئة العمل وهيكلة مخرجات التعليم وجودة البنية التقنية وفقدان الميزة التنافسية لأسواقنا المفتوحة.

لا نحتاج لخبير اقتصادي أو عالم فيزيائي لمعرفة أسباب تدني نسبة العمالة الوطنية في القطاع الخاص بدولنا الخليجية، فالدول التي تنجح في تنظيم عمالتها الوافدة وترفع مستوى تعليم أبنائها وتتنافس على توجيه مخرجات جامعاتها ومعاهدها، تفوز دائماً بالنصيب الأكبر في توطين وظائفها، لتشكل عمالتها الوطنية النسبة العظمى من إجمالي العاملين في كافة قطاعاتها الاقتصادية.

هذه النسبة وصلت إلى 84% في أميركا، و89% في أوروبا وسنغافورة، و94% في اليابان وكوريا وتايلاند، وفاقت 96% في الصين والفلبين وماليزيا، بينما ما زالت أقل من 17% في المتوسط على مستوى دولنا الخليجية.

ولا نحتاج إلى الجَّراح الماهر والطبيب البارع لتشخيص أمراض توطين الوظائف في قطاعاتنا الاقتصادية، الناتجة عن إخفاقاتنا المتكررة في تطوير قدرات أبنائنا وتحقيق نتائج خططنا، فالإخفاق الأول نتج بسبب تراجع النظام المؤسساتي لبيئة العمل وهيكلة مخرجات التعليم وجودة البنية التقنية وفقدان الميزة التنافسية لأسواقنا المفتوحة. أما الإخفاق الثاني فقد جاء بسبب افتقارنا للنتائج الإبداعية وكفاءة الابتكار وبراعة التطوير.

من أصل 177 دولة حول العالم، حققت الدول الخليجية في العام الماضي المركز 35 في بناء القدرات، وتراجعت إلى المرتبة 60 في تحقيق النتائج، ولكنها تهاوت بشكل لافت إلى المركز 125 في كفاءة الابتكار. وهذا يعني أن دولنا الخليجية لم تنجح حقيقة في ترجمة قدراتها المتوفرة إلى نتائج اقتصادية ملموسة لتساهم في تحسين معيشة المواطن.

في تقريره السنوي الأخير بعنوان "التنمية في العالم 2013"، أكد البنك الدولي أن توفير الوظائف وفرص العمل يشكل الركيزة الأساسية للتنمية الإنسانية في كافة الدول، حيث يتجاوز مردودها في الدول النامية أكثر مما تدُّره هذه الدول من دخل ناتج عن النفط والغاز.

وأشار التقرير إلى أهمية توفير الوظائف للحد من الفقر وازدهار الاقتصاد وتخفيف حدة أعمال العنف لدى العاطلين. كما شدد التقرير على دور القطاع الخاص التنموي في توفير الوظائف لتحقق أقصى فائدة للتنمية وأكثر فاعلية للنمو. 

في دول العالم الأول ترتفع مساهمة القطاع الخاص في الناتج القومي إلى 70% ، لأنه يقوم بتوفير أكثر من 90% من الوظائف. في هذه الدول تنخفض معدلات الفقر كلما تمكن الرجل من الحصول على الوظيفة، وتزيد فرص الاستثمار في العائلة كلما تمكنت المرأة من العمل.

ويرى التقرير أن مستوى الكفاءة يزداد كلما أصبح الموظف المواطن أكثر إتقاناً لأعماله، فالوظيفة تبعث الأمل في الحياة وتنشر السلام والاستقرار في ربوع الوطن. وفي القطاع الخاص توفر وظائف المواطنين المردود الإنمائي الأكبر لوطنهم، وترفع من مستويات دخلهم، وتساعد المدن والقرى على القيام بوظائفها التنموية بشكل أفضل،وتجعل لكل مواطن مصلحةً حقيقية في الحفاظ على سلامة وطنه. 

على مستوى العالم، بلغ حجم الأيدي العاملة أكثر من 3 مليارات شخص، يعمل 52% منهم بالزراعة والمشاريع العائلية والأعمال اليومية.

كما يوجد أكثر من 620 مليون عاطل عن العمل، 15% منهم في عالمنا العربي، مما يتعين علينا توفير 100 مليون وظيفة في الوطن العربي فقط. ولقد أكد التقرير على ضرورة قيام الدول العربية، ومنها الخليجية، بوضع سياسات قوية ونافذة لتحقيق استقرار الاقتصاد الكلي وإيجاد بيئة مواتية لأنشطة الأعمال،وبناء رأس المال البشري،وتطبيق النظام المؤسساتي، إضافة لإزالة المعوقات التي تحد من قدرة القطاع الخاص على توفير المزيد من الوظائف.

وفي كتابه الحديث بعنوان "حرب الوظائف القادمة" أكد "جيم كليفتون" الرئيس التنفيذي لشركة "غالوب العالمية"، أن تغييب قطاع الأعمال عن التنمية البشرية يؤدي حتماً إلى تلاشي الوظائف وتراجع القوة الاقتصادية في الدول، لتفشل لاحقاً في تنمية مجتمعاتها وتحقيق أمنها. 

العالم اليوم في أمسّ الحاجة لوزارات عمل سيادية تضطلع بمهام تختلف جذرياً عما كانت عليه في السابق،فالوزارات المهتمة بالسياسة فقط لم تعد تناسب مستقبل التنافسية العالمية. وأصبح مبدأ توفير الوظائف واستحداثها هدفاً ملحاً للأمن الوطني والبعد الاقتصادي.

ولقد أكدت الإحصاءات الحديثة أن الناتج المحلي الإجمالي العالمي وصل إلى 60 تريليون دولار في العام الماضي،حيث تساهم أميركا بحوالي 25% منه، بينما تساهم الصين بنسبة 10%، ولا تتجاوز مساهمة كل من الهند وروسيا أكثر من 3% من هذه السوق. بعد 30 سنة من المتوقع أن يصل الناتج المحلي الإجمالي العالمي إلى 200 تريليون دولار، لتصبح 70% من حصته ميداناً للحرب التجارية القادمة، وبناء القوة الاقتصادية الغنية بالوظائف المغرية.

وتعتبر الصين من الدول المرشحة لكسب هذه الحرب لتستحوذ على 35% من حصة سوق الاقتصاد العالمي، بينما لن تزيد حصة أميركا في ذلك الوقت عن 15%.

على دولنا الخليجية أن تُؤَمِن مستقبل مواطنيها، الذين سيرتفع عددهم بحلول عام 2015 إلى 34 مليون خليجي، وليتضاعف عدد المؤهلين منهم في سوق العمل بنسبة 120%.

ونحن اليوم في أمسّ الحاجة إلى تضافر جهود كافة القطاعات مع وزارة العمل لإعادة هيكلة التعليم وتوجيه مخرجاته لسوق العمل، وتعديل أنظمة مشترياتنا الحكومية لمنح الأولوية المطلقة لمؤسساتنا وشركاتنا الخليجية بناءً على نسب العاملين المواطنين فيها.

وعلينا أيضاً الأخذ بتحديد الحد الأدنى للأجور لتشجيع المواطنين على العمل في مختلف الأنشطة، والحد من منافسة العمالة الوافدة الرخيصة. فالبطالة هي العدو الأخطر لأمننا الخليجي. إذا عرفنا الحقيقة فلن نلوم وزارة العمل.