التعليم في المملكة العربية السعودية: مقدمة

07/12/2025 0
د. إبراهيم بن محمود بابللي

يعتمد نجاح وتطوير منظومة التعليم في المملكة العربية السعودية، وفي أي دولة في العالم، على قرارات تُتّخذ في قطاع التعليم، أو على قرارات تُتّخذ لقطاعِ التعليم، بناء على توصيات مرفوعة من القطاع نفسه، أو من مستشارين مستقلين، أو من غيرهم أصحاب الاختصاص.

ويتميز قطاع التعليم – أكثر من غيره – بتقاطعه مع قطاعات عدة، مثل الصحة والنقل وسوق العمل والاتصالات وغيرها. وبسبب مباشر من هذه التقاطعات، فإن قطاع التعليم يتأثر بقطاعات أخرى ويؤثر فيها. فلهذا نعتقد أن القرارات المتخذة لتطوير قطاع التعليم يمكن رفع كفاءتها وتأثيرها بدراسة الروابط الخلفية (المؤثرة) والأمامية (المتأثرة) لمكونات قطاع التعليم ذات العلاقة بالقطاعات الأخرى، ثم اتخاذ القرارات بناء على دراسة منهجية لخيارات التطوير الممكنة والمتاحة، وباعتماد دراسة العائد الاقتصادي المباشر (Tangible) وغير المباشر (Intangible) من هذه الخيارات.

وإن مواصلة تطوير قطاع التعليم في المملكة العربية السعودية يجب أن ينطلق – في رأينا – من دراسة سياسات التعليم التي بنيت عليها القرارات التي اتخذت في العشرين سنة الماضية، ثم تطوير السياسات المناسبة للمرحلة المقبلة، أو تحديثها، أو وضع سياسات جديدة. كما يجب – في رأينا – دراسة الروابط الخلفية والأمامية للتحديات، وعدم الاقتصار على دراسة تحديات قطاع التعليم من منطلق تعليمي فقط. ونضرب مثالين لشرح ما نقصد:

  1. 1. الذكاء الصناعي أصبح واقعاً يتطور بسرعة، وسيكون له أثر كبير على قطاع التعليم وقطاعات أخرى. ونرى أنه من الضروري التعجيل بالقيام بأبحاث لتطوير سياسات لقطاع التعليم تساعد متخذ القرار على التعامل بشكل صحيح – قدر الإمكان – مع واقع دخول الذكاء الصناعي في منظومة التعليم، وفي كلّ مناحي الحياة.
  2. 2. قلة عدد خريجي كليات الطب البشري السعوديين، مع أن هناك طلباً كبيراً في سوق العمل على الأطباء. السبب الظاهر هو قلة عدد مقاعد الدراسة المتاحة في الجامعات السعودية لدراسة الطب، ولكن السبب الحقيقي – فيما نعلم – هو محدودية استيعاب المستشفيات لتدريب الأطباء بعد تخرجهم. وإن زيادة عدد مقاعد دراسة الطب البشري دون رفع قدرة المستشفيات التعليمية على تدريب الأطباء ليس حلاً.

لا نهدف في سلسلة المقالات هذه اقتراح حلول تفصيلية، لأن هذا يتطلب بحثاً عميقاً ودراسة مفصلة لا يتسع المقام والوقت لهما. ما تهدف له هذه المقالات هو تلخيص واقع قطاع التعليم العام – بشكل رئيس – ثم طرح بعض محاور تطوير منظومة التعليم العام، وأخرى تتقاطع مع قطاعات أخرى بينهم تأثير متبادل، بالتركيز على موضوع سياسات التعليم. ونأمل من هذا الطرح بدء حوارٍ ينتج عنه صياغة مقترحات مركّزة لتطوير قطاع التعليم في المملكة العربية السعودية، لدعم الجهود الحثيثة والمباركة التي تضطلع بها الوزارة والجهات الأخرى المعنية بتطوير هذا القطاع الاستراتيجي.

ونطرح هنا سؤالاً: هل الأنسب لتطوير قطاع التعليم صياغةُ استراتيجية شاملة لتطوير قطاع التعليم من ألِفِهِ إلى يائِه – بما في ذلك العمل على مراجعة كل/جُلّ سياسات التعليم وتطويرها؟ أم الأنسب تعريف التحديات المختلفة – خاصة التي لها علاقة تأثّرٍ وتأثير مع قطاعات أخرى – والعمل على حلِّها تحت إشرافٍ وقيادة مركزية من وزارة التعليم؟ هل تطوير التعليم ينبغي أن يكون من المجمل إلى المفصّل (Top-Down) أو من المفصّل إلى المجمل (Bottom-Up)؟

الخبرات العالمية في هذا الأمر متباينة كتباين الدول التي طورت قطاع التعليم فيها، أو حاولته. ويعتمد اختيار النهج الأمثل لتطوير قطاع التعليم على عدد من المحاور، مثل: الأهداف والسياق، وما تعلمناه من محاولات سابقة. فالنهج الشامل (من المجمل إلى المفصل) يهدف إلى تطوير قطاع التعليم بأكمله، بما في ذلك المناهج وتدريب المعلمين والبنية التحتية. أما النهج التدريجي (من المفصل إلى المجمل) فيستهدف تحديات جزئية أو مرحلية. وتوجد تجارب عالمية تجمع بين النهجين: بين الرؤية الشاملة والتطوير الجزئي، بهدف الموازنة بين الإصلاح الجذري والحلول العملية السريعة.

إن هذه المقالات – أيها القارئ الكريم – جهدُ الـمُقِلّ، تعكس بعض الخبرة، وشيئاً من الدراسة والأبحاث، وكثيراً من الحرص على أن نكون الأفضل، مسترشداً بقوله تعالى: "وقل اعملوا، فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون". وسيكون التركيز الأكبر فيها – بعد استعراضِ ملخّصٍ لواقع قطاع التعليم العام، ونقاش لمنهجية التطوير – على أبحاث سياسات التعليم، التي نراها حجر الزاوية للتطوير المستمر والمستدام لقطاع التعليم.

 

خاص_الفابيتا