الودائع في خطر .. وشيوبله يكذب

31/03/2013 8
محمد سليمان يوسف

تعلمنا عندما كنا تلاميذ في كلية الحقوق  شيء اسمه "السابقة  القضائية " .. وفي مهنة المحاماة تعلمنا كيف يمكننا استخدام "السابقة القضائية" لكسب "قضية  لاحقة" نتبناها  ، أما " السابقة القضائية" فهي بتعريف بسيط " حكم محكمة عليا يسري على المحاكم الأقل درجة منها وتكون في نفس نطاق اختصاصها ..."  وفي المحاكم على اختلافها أنواعها يمكن للقاضي بناء قراراته وأحكامه استنادا على  الاجتهادات القضائية التي وصلت إ إلى مرتبة  السابقة القضائية بعد إقرارها كحكم أو تفسير من قبل المحاكم العليا في البلاد وخاصة محكمة التمييز أو النقض.

أعتقد أن مقدمة المقال ضرورية  كي نتمكن من فهم و وضع "السابقة القبرصية"  في السطو على الودائع البنكية  ضمن إطارها الصحيح، بالتأكيد السابقة القبرصية ليست سابقة قضائية لكن ما تعلمناه أيضا في كلية الحقوق من مبادئ علمي السياسة والإدارة يؤهلنا للاجتهاد في استخدام القياس – مصلحة مرسلة – للبرهنة على أن "الترويكا" وربما العالم كله سيجعل من السابقة القبرصية المتمثلة بفرض ضرائب على الودائع البنكية نموذجا يحتذى به  وسيتم تطبيقه كلما تطلب الأمر ذلك بدليل ما قاله يوم الاثنين 25/3/2013 رئيس مجموعة اليورو  يوروين ديسيلبلويم : " إن برنامج الإنقاذ المتفق عليه لقبرص سيكون نموذجا لمعالجة الأزمات في المستقبل "..

ما يعني أن "العدوى " قد تنتقل سريعا من قبرص إلى باقي الدول المنهارة ماليا مثل  اليونان واسبانيا والبرتغال  أو حتى تلك التي لم تصل إلى مرحلة الانهيار المالي مثل  إيطاليا وفرنسا وبريطانيا . 

إن قول وزير المالية الألماني فولفجانج شيوبله أمس 30/3/2013 :" إن الودائع الادخارية في منقطة اليورو آمنة وقبرص حالة خاصة وليست نموذجا لعمليات إنقاذ في المستقبل .. " كلام لذر الرماد في العيون، ومصداقية شيوبله لم تعد محل ثقة خاصة بعد الدور "المخيف"  الذي لعبته ألمانيا في فرض شروط  الاتفاق على قبرص.

وكلام شيوبله مخالف تماما لما أدلى به " ديسيلبلويم " فهل هذا التناقض ناجم عن تبادل للأدوار أم هو خلاف حول الرؤى والحلول المستقبلية . بالنسبة لي أعتقد جازما أن المسألة هي تبادل للأدوار وأن شيوبله يكذب. 

إن أكثر الدول المؤهلة لتطبيق " السابقة القبرصية " خلال الفترة القادمة هي سلوفينيا ، مالطا، لوكسمبورج ،إيطاليا، فرنسا، بريطانيا .. الخ، وأعتقد أن سقوط  إيطاليا أو فرنسا في أزمة مالية سيعيد منطقة اليورو كلها إلى المربع الأول من أزمة الديون السيادية وبالتالي نشوب أزمة مالية عالمية جديدة سيكون المتضررين منها كثر ومن بينهم العرب، قبل أيام قليلة تحدثت عن انعكاسات الأزمة القبرصية على البنوك اللبنانية التي ما تزال تعض الجرح وهي صامته، لكن التحدي الكبير الذي سيواجه الأموال العربية في الغرب هو حدوث انتكاسة كبرى في أزمة الديون السيادية الأوروبية ولجوء الدول هناك إلى النموذج القبرصي فيومها سنسمع الصراخ قويا على كامل الضفة الجنوبية للبحر المتوسط وربما أعمق من ذلك باتجاه الخليج .  

مما لا شك فيه أن الأموال العربية المختبئة في أوروبا بحاجة إلى قطاعات مصرفية قوية ومحل ثقة ،كما أنها بحاجة إلى قنوات استثمارية تقدم عوائد مجزية ، وبما أن المنطقة العربية في حالة من الارتباك وعدم الاستقرار بسب الاضطرابات والاحتجاجات المنتشرة في معظم الدول العربية وبعد أن أثبت الإمارات أنها الملاذ الآمن للأموال والاستثمارات خاصة عندما ضمنت الحكومة الودائع المصرفية لثلاث سنوات عقب الأزمة المالية العالمية  فإن النصيحة التي من الممكن تقديمها للأموال العربية وغير العربية الفردية والمؤسساتية المختبئة في أوروبا هي التوجه إلى الإمارات حيث ستجد البنك الآمن والاستثمار الناجح.