قمة" بريكس" .. التمرد أو الفشل

27/03/2013 0
محمد سليمان يوسف

قبل حدوث الأزمة المالية العالمية عام ألفين وثمانية بسنتين فقط ، بدأت المشاورات لتأسيس منظمة مجموعة دول "بريكس" ، وبعد انفجار الأزمة المالية العالمية بقليل أي في عام ألفين وتسعة عقدت دول هذه المجموعة أول اجتماع لها وكان أعضاؤها من ذوي الاقتصاد الصاعد وهم بالاسم (البرازيل وروسيا والهند والصين)  وتم إشهار المجموعة  تحت الرمز "بريك" وبعد انضمام جنوب إفريقيا إلى المنظمة عام ألفين وعشرة أصبح اسمها "بريكس ".

المقدمة السابقة كانت ضرورية قبل الحديث عن تطلعات القمة الحالية للمجموعة في جنوب إفريقيا حيث وصل زعماء هذه الدول أمس وسينهون اجتماعهم اليوم ، بعد مناقشة العديد من القضايا السياسية والاقتصادية ، دول البريكس تحاول جاهدة التحول من قوة اقتصادية هائلة ( يعيش في دول المجموعة نصف سكان العالم ، والناتج الإجمالي المحلي للمجموعة يعادل ناتج الولايات المتحدة أي 13.6 تريليون دولار ، كما أن كامل احتياطي النقد الأجنبي لـ " بريكس " يزيد عن  4 تريليون دولار ) إلى قوة سياسية يحسب لها  ألف حساب في صنع القرار الدولي . 

مما لا شك فيه أن منظمة "بريكس" ما زالت وليدة وتحتاج الكثير من الوقت لرص الصفوف قبل أن تتحول إلى قوة سياسية دولية مرهوبة الجانب  ، لكن تحركها بهذا الاتجاه كما يظهر للعيان جاد وصارم ، ويمكن القول أن الاختبار الأول الذي يواجه المنظمة حاليا هو الملفين السوري والإيراني ، فكما نعلم شكلت الصين وروسيا رأس الحربة – الفيتو الثلاثي في مجلس الأمن -  بمواجهة التطلعات الأمريكية لحسم الملف السوري في أروقة الأمم المتحدة .

الأمر الذي أدى إلى حالة توازن وثبات - ستاتيكو- شكل رافعة كبرى لروسيا والصين على مستوى القرار الدولي بعد أن غاب دورهما الفعال لسنوات عديدة . ومما سبق نستنتج أن الصين وروسيا وهما القيادة الفعلية للبريكس تعملان على وضع  المنظمة على سكة القرار الدولي  الفاعل بدليل أنهما غلفا موقفهما من الأزمة السورية بإعلان سيظهر في البيان الختامي للقمة الحالية ومفاده أن الحوار هو "الوسيلة الحيدة القادرة على حل أزمة سوريا وإيران" . ما يعني قطعا للطريق على أي محاولة لحل ملفي الدولتين بالقوة ، ولو أردت أن أترجم ما تقوله "بريكس".. لقلت " إسقاط الأنظمة بالقوة خط أحمر ممنوع تجاوزه " . 

في الجانب السياسي لا اعتقد أن الخلافات كبيرة بين دول المنظمة ، لماذا ؟، لأن المجموعة ما زالت تحاول بلورة نفسها على هيئة "نموذج جديد"، وهي تتجنب الخلافات السياسية كي  لا تشكل هذه الخلافات " شد خلفي " لها يعيقها عن حرق المراحل لمواكبة السياسات الغربية الندية ، أما في المجال الاقتصادي فهي قطعت شوطا كبيرا والاختلاف في القضايا الاقتصادية أحيانا يكون هدفا بحد ذاته لأنه قد يساعد على استنباط "رؤى ونماذج" مطلوبة، ولذلك أعتقد أن التوجه الجديد لدى المجموعة بشأن تأسيس " بنك التنمية المشتركة" سيكون محل خلاف لأن الفكرة لم تنضج بعد، وقد تؤجل للاجتماع القادم، أما أسباب تشاؤمي فتتصل بمسألتين جوهرتين : الأولى لها علاقة بمقر البنك والتي ستكون محل خلاف بين الدول حيث ستحاول كل دولة استضافة المقر -  كما حصل في دول مجلس التعاون الخليجي عندما حاول الإمارات والسعودية استضافة المقر الدائم للبنك المركزي الخليجي وانتهى الأمر بانسحاب الإمارات من العملة الموحدة – وقد لا يتم حسم مكان المقر في القمة الحالية ،أما المسألة الثانية فتتصل بالتمويل فالمبلغ المطلوب تقديمه من كل دولة وهو عشرة مليارات دولار قد يكون سهلا على الصين وروسيا لكنه لن يكون سهلا على البقية وخاصة جنوب إفريقيا ولهذا اعتقد أن بعض الأعضاء سيفضل تأجيل إقرار البنك. 

بنك التنمية  المشتركة لن يكون موضوع الخلاف الوحيد  في القمة الحالية لـ "بريكس" بل أعتقد جازما أن فكرة ربط الأسواق المالية في بلادهم مع بعضها – هي فكرة محل نقاش– ومحاولة إقامة نظام استبدال الدولار كوسيلة الدفع المعتمدة في التجارة بين الدول الأعضاء ستكون محل خلاف أيضا وقد لا يكتب لها النجاح في القمة الحالية وتؤجل إلى القمم القادمة، الأمر الذي سيفسر على أنه "نصف فشل" للقمة خاصة عند أصحاب الرؤى المناهضة لتجمع  " بريكس " لكن ذلك لا يعني على الإطلاق  أن مناقشة  القضايا الاقتصادية الأخرى سيكون فاشلا بل على العكس من المتوقع أن يتضمن البيان الختامي للقمة عبارات شديدة اللهجة تجاه الممارسات والسياسات المالية والنقدية  والاقتصادية الأمريكية والأوروبية غير العادلة ، كما أعتقد أن القمة ستشهد تمردا واضحا وقويا تجاه العقوبات الأحادية الجانب المتخذة ضد إيران وقد تعلن القمة أن أعضاؤها غير معنيين بهذه العقوبات .