الزلزال في قبرص .. والدمار في لبنان

25/03/2013 3
محمد سليمان يوسف

عندما تفتح البنوك اللبنانية أبوابها صباح اليوم الاثنين الموافق 25/ 3 /2013 سيبدأ مدراء هذه البنوك بتأدية أصعب مهمة لهم على الإطلاق منذ سنوات ،  وهي إحصاء خسائرهم بسبب الأزمة المالية  القبرصية ، فخلال الأيام العشرة الأخيرة عاش هؤلاء المدراء حالة من "الخرس" أو الصمت المطبق تجاه أزمة قبرص لكن صمتهم كان يخفي وما زال فجيعة كبرى ..  صباح اليوم لن يكون بمقدورهم الصمت أكثر وقد يبدأ الصراخ في أي لحظة من لحظات النهار ، وأخشى ما أخشاه  أن تكون ودائع البنوك اللبنانية في البنوك القبرصية أكبر مما أتخيل  فعندها ستكون الفاجعة أيضا أكبر مما أتصور ونتصور جميعا. 

قبرص على وشك الإفلاس ، وإن لم تعلن إفلاسها اليوم  فالحل المتاح أمامها هو سرقة المودعين لدى بنوكها .. نعم لا تستغربوا فالأوروبيون يطلبون منها أن تسرق عملاء بنوكها  من خلال فرض ضرائب قد تصل لعشرة في المئة وبعض المقترحات رفعتها لستة عشر في المئة وقيل أن الأوروبيين يريدونها عشرين في المئة ، وبرأيي هذه "جريمة موصوفة" لأنها تتم نهارا جهارا وهي الأولى من نوعها في التاريخ الحديث على الأقل من حيث الشكل ،صحيح أن البرلمان القبرصي رفض هذه السرقة في الجولة الأولى ولكن يبدو أن الأوروبيين وخاصة الألمان سيجعلون من الرفض الأول سببا لمزيد من الضغط  لتحقيق معادلة إما الإفلاس وإما الخضوع والتراجع عن الرفض . 

الجزيرة الصغيرة طرقت جميع الأبواب بلا فائدة ..  طرقت أبواب الكرملين وأبواب الكنسية وفتحت صناديق التقاعد وركضت إلى شركائها في منطقة اليورو لكن النتيجة كانت واحدة " لا أموال" وإن أعطيناكم فشروطنا على الطاولة  .. والبنوك الأوروبية أنذرت قبرص حتى اليوم الاثنين وطالبتها بتدبير مبلغ خمسة مليارات وثمانمئة مليون يورو كي تستمر في مدها بالسيولة  وإلا فإن هذه البنوك ستتوقف عن ضخ المال في القطاع المصرفي القبرصي ، ما يعني إفلاس الدولة القبرصية وحدوث هلع لا مثيل له بين أوساط المودعين . 

نعود الآن إلى البنوك اللبنانية وأنا لن أتحدث عن البنوك العربية الأخرى لأنها ليست في دائرة الخطر الكبير كما هو واقع البنوك اللبنانية  فالبنوك اللبنانية في قبرص تحتضن  مليارات الدولارات لمستثمرين ومودعين عرب خاصة بنك بيروت وبلوم وبيبلوس وكريدت ليبانيز وبنك لبنان والخليج وبنك بيروت والبلاد العربية وربما غيرهم الكثير ، ومن كان صامتا طيلة الأيام الماضية المدراء  سيرفع صوته خلال هذا النهار لأن وضع قبرص سيكون قد اتضح تماما ولم يعد بإمكانهم إخفاء خسائرهم التي قد تصل إلى مئات الملايين إن لم نقل مليارات إذا ما جرى تطبيق ضريبة نسبتها  أعلى من 15 %  على الودائع الكبيرة التي تزيد عن مئة ألف دولار . 

لا شك أن الأزمة السياسية والأمنية التي تعصف بلبنان هذه الأيام ثقيلة ، وهو حقا لا يحتاج لـ "تسونامي مالي" يطيح بما تبقى له من استقرار لكن قدره ربما  أن يكون الأكثر تضررا من الأزمة القبرصية بعد روسيا ، وقدره أن يكون الأكثر تضررا بين الدول العربية وهنا لا بد من طرح سؤال مفاده كيف ستعالج البنوك اللبنانية الأزمة القادمة إلى صناديقها ؟!.. وهل سنشهد انهيار بعض هذه البنوك أو إفلاسها  ؟! .. أم ان القطاع المصرفي اللبناني سيكون قادرا كما عودنا أحيانا على مواجهة هذا الـ "تسونامي المالي" القادم من قبرص باتجاه شواطئ البنوك اللبنانية ؟ .. بالتأكيد الأيام القادمة ستجيب على كل هذه الأسئلة حتى و لو حاول مدراء البنوك جهلا أو عمدا  تزييف الحقيقة أو طمسها  بالصمت المطبق .