إن الرقابة السلبية تعرض رجال الأعمال للضغوط قبل أن يرتكبوا أي مخالفات قانونية. بينما في الاقتصاد الحر، تنص الأنظمة الرسمية على الحق في التدخل فقط حين حدوث غش أو نصب، أو ضرر واضح حدث فعلاً للمستهلك، وفي هذه الحالة الحماية الوحيدة المطلوبة هي تطبيق القوانين "الإجرامية".
والسبب أن هناك ما يُشبه إجماع بين اقتصاديين وعلماء اجتماع بأن الرقابة التجارية لا تبيد "النصابين" وقد لا تقلل من إمكانية "الغش" من قبل البعض، لكنها "تصعب" من كشف أعمالهم، وتسهل التستر عليها. لأن إمكانية الغش واردة وقد تُصاحب عمل الموظف الرسمي كما تمتد لأي مجموعة أخرى من البشر.
ويصعب إيجاد معيار يضمن أن المفتش أو البيروقراطي لديه نزاهة أعلى أو حكمه أقوى من أي رجل آخر في السوقولذلك الخطورة القاتلة هي المتصلة بإعطاء بعض المراقبين للسوق سلطة واسعة. وعليه إذا خيّر المستهلك بين الرقابة البيروقراطية وبين النزاهة الذاتية فإن المقارنة ستوضح له ضعف شعار "حماية المستهلك" لأنه يشكك بقوة في الحرية الفردية وحق الاختيار وفي إجراءات وأنظمة السوق الحر، وهو شكل يكشف جذور الفكرة بكل وضوح.
وهي تفضيل القوة والتخويف على الحوافز كوسيلة لمكافأة الإبداع البشري، وكوسيلة لمنع الغش التجاري. وبذلك يعترفون بقصور نظرتهم للمستهلك كإنسان يعرف مصلحته ولكن من دون عقل، وأن "التاجر إنسان متوحش"، يعمل فقط في نطاق "اللحظة"، وهدفه الرئيس هو المكسب السريع. لكنهم يعترفون بجهلهم للدور الإيجابي الذي يلعبه بعض التجار وخاصة في تنويع الصادرات وفي تطوير القدرات وتوظيف الذكاء في عمليات الإنتاج، ومفهوم الذكاء واسع في الاقتصاد ولذلك هو مطلوب للمحافظة على تطوير الصناعات الحديثة.
لا أحد ينكر أن للرقابة وحماية المستهلك وجهًا إيجابيًّا ينال التأييد والمساندة من كل تاجر نزيه، ولكن من يُمارس الرقابة بفهم خاطئ للمبادئ والقيم التي تمثل الدافع للرأسمالية فلابد أن يعدل فهمه حتى تكون الرقابة معادلة "كسبية" تعود بالخير على المستهلك وعلى التاجر. والفهم الصحيح للسوق الحر وللرأسمالية يقول إنها مبنية على المصالح الشخصية واحترام الذات والثقة بالنفس، ومن أهم أعمدة الرأسمالية النزاهة والمصداقية والوفاء، وهي المزايا الأساسية للكسب في السوق ممّا يجعل الغش التجاري جريمة يعاقب عليها النظام.