نفط «أوبك»... عائدات ضخمة وأداء متواضع

20/02/2013 0
د.أنس الحجي

بلغت عائدات دول منظمة «أوبك» من صادرات النفط بين 2007 و2011 نحو 4.2 تريليون دولار، بينما بلغت عائدات دول منظمة التعاون والتنمية من الضرائب على المشتقات النفطية 5.5 تريليون، وفق قول الأمين العام لـ «أوبك» عبدالله البدري في محاضرة ألقاها نهاية الشهر الماضي في مؤسسة «تشاتام هاوس» البحثية في لندن، رداً على اتهامات وجِّهت إلى دول المنظمة لجنيها أموالاً ضخمة نتيجة ارتفاع أسعار النفط. لكن غاب عن الرد أن الضرائب مفروضة على النفوط كلها، بما فيها تلك المنتجة محلياً داخل دول منظمة التعاون والتنمية والمستوردة من غير دول «أوبك». وتتضمن منظمة التعاون والتنمية دولاً تعد من أكبر منتجي النفط والغاز في العالم مثل الولايات المتحدة وكندا وبريطانيا والنروج وأستراليا، والتي يبلغ إنتاجها النفطي نحو ثلثي إنتاج «أوبك».

كذلك تستهلك دول منظمة التعاون والتنمية كميات أكبر مما تنتجه أوبك بـ 50 في المئة، كما أن غالبية المصافي في العالم تتركز في هذه الدول. وفيما يبلغ سكان دول «أوبك» 369 مليون شخص، يساوي سكان دول منظمة التعاون والتنمية نحو ثلاثة أضعاف هذا العدد. ولو عدِّلت الأرقام التي ذكرها البدري بناء على هذه المتغيرات، تبيّن أن ما تحققه الدول النفطية من العائدات أعلى بكثير مما تحققه دول منظمة التعاون والتنمية من الضرائب. والحقيقة أن الأموال التي حققتها «أوبك» العام الماضي ضخمة، لكن الحقيقة أيضاً أن الأداء الاقتصادي والصناعي والتعليمي وإنتاجية العاملين متواضع.

والسؤال الذي يطرح في هذا السياق هو: هل من صالح الدول النفطية أن تحارب الضرائب على المشتقات النفطية في الدول المستهلكة؟ للوهلة الأولى تبدو الإجابة «نعم» لأن هذه الضرائب تحد من نمو الطلب على النفط. لكن في ظل الحرب على النفط والإنفاق غير المنطقي على الطاقة المتجددة، تبدو الإجابة عكس ذلك.

فالضرائب على المشتقات النفطية في الدول المستهلكة، على رغم انعكاساتها السلبية على الدول المنتجة، لمصلحة الدول المنتجة للنفط لأنها خط الدفاع الأول عن النفط لأن حاجة الدول المستهلكة إلى الضرائب على المشتقات النفطية ستجعلها تدافع عن استهلاك النفط ولن ترضى بأن ينخفض استهلاك النفط عن حد معين.

وعند ذكر الضرائب على المشتقات النفطية في الدول المستهلكة، يُذكر عادة دعم الطاقة بأنواعه كلها في الدول المنتجة للنفط. فأسعار مصادر الطاقة في غالبية الدول النفطية أقل من أسعارها في الأسواق العالمية، وأحياناً أقل من كلفتها. ويتفق الاقتصاديون على أن الدعم والضرائب تخل بتوازن الأسواق وتقلل من كفاءتها، لكنهم يرون أيضاً أن الأسواق الحرة قد تعكس مصالح الأشخاص فقط وليس بالضرورة المجتمع ككل، الأمر الذي يتطلب تدخلاً حكومياً للتخفيف من الضرر الناتج من زيادة المنفعة الخاصة على حساب المنفعة العامة.

بغض النظر عن هذه النظريات، يشير الواقع إلى فرض الدول المستهلكة ضرائب عالية على المشتقات النفطية، بينما تبيع غالبية الدول النفطية المشتقات النفطية داخل أراضيها بأقل من أسعارها العالمية.

وعند الحديث عن الضرائب والدعم، لا بد من ذكر بعض الحقائق:
1- لدعم الطاقة في الدول المنتجة مساوئ متعددة أهمها زيادة هدر موارد الطاقة وتهريب هذه الموارد الوطنية للدول المجاورة، وزيادة العبء على الموازنة الحكومية مع مرور الزمن، كما أن المستفيد الأكبر من دعم الطاقة هم الأغنياء بسبب استهلاكهم الضخم للطاقة سواء بسبب المنازل الضخمة أو تعدد السيارات التي يملكونها. وفي المقابل نجد أن مواطني هذه الدول هم مالكو هذه الموارد الطبيعية، وما يحصلون عليه من دعم هو حقهم، أو جزء من حقهم، في هذه الثروة. بعبارة أخرى، يرى مؤيدو هذا الدعم أنه مجرد وسيلة لإعادة توزيع الثروة. كما يرون أن المساوئ الناتجة منه يمكن معالجتها بتطبيق حازم للقانون، وتبني استراتيجيات تخفف من هذه الأضرار.

2- أضرار الضرائب على المشتقات النفطية في الدول المستهلكة متعددة أيضاً، أهمها أن الطلب لا يتغير بسرعة لتصحيح توازن السوق في حال اختلالها. ويرى مؤيدو هذه الضرائب أنها ضرورية لأسباب منها أن هذه الضرائب أو جزءاً منها يعكس التكاليف البيئية والصحية للمواد النفطية.

3- الضرائب باقية، والدعم باقٍ. فالدول المستهلكة لن تلغي الضرائب على النفط أو تخفضها لأهميتها في دعم موازنات هذه الدول. والدول المنتجة لن تلغي الدعم على المنتجات النفطية أو تخفضه، خصوصاً بعد «الربيع العربي».

وفي ظل القناعة ببقاء الضرائب والدعم، يكمن الحل الوحيد للتخفيف من الآثار السيئة للضرائب والدعم في تحسين الكفاءة في الاستخدام، والذي ثبتت جدواه خلال العقود الماضية. تحسين الكفاءة في الاستخدام حل أمثل من النواحي الاقتصادية والسياسية والإستراتيجية. وعلى رغم من بعض الخطوات الخجولة التي اتخذتها بعض الدول النفطية في هذا المجال، إلا أن لحاقها بركب الدول المتقدمة يتطلب إعطاء الهيئات التي أنيطت بها مهمة تحسين الكفاءة في الاستخدام، صلاحيات تشريعية وتنفيذية تضمن استقلاليتها من جهة، وقدرتها على سن وتشريع وتطبيق القوانين من جهة أخرى.