ملاحظة: بعد كتابة هذا المقال ونشره أكد بعض المراقبين أن مايقال عن ربط العقود النفطية الآجلة بالذهب مجرد إشاعة. الواقع أنه ليس هناك شيئ رسمي يؤكد أو ينفي.
يهيمن الدولار الأمريكي على تجارة النفط العالمية حيث يُسعّرُ النفط ويباع ويُشترى بالدولار، فتسعير خام “غرب تكساس” -سعر الأساس في أمريكا الشمالية- يتم بالدولار، وسعر خام القياس “برنت” يُقوّم بالدولار، مع أنه في أوروبا. لهذا فإن بعضهم اعتبر أن إعلان الصين أخيرا عن إنشاء سوق للعقود الآجلة في النفط مُقوّمة باليوان الصيني ومدعومة بالذهب، نوعاً من التحدّي للولايات المتحدة وعملتها.
والفكرة مبنية على أنه يمكن للمستثمرين الأجانب شراء عقود نفطية آجلة باليوان الصيني بدلا من الدولار، وعند انتهاء مدة العقد يمكن للمستثمر أن يُحَصّل القيمة، إما يواناً صينيا أو ذهباً. وفكرة تسعير النفط بغير الدولار ليست جديدة، بل كان هناك محاولات فاشلة في روسيا وإيران. أما مايذكر من أن الولايات المتحدة غزَت العراق واحتلتها لأن صدام حسين قام بتغيير تسعير النفط من دولار إلى يورو فهو غير صحيح البتة. كل ما طلبه صدام حسين هو استلام عائدات النفط باليورو ضمن برنامج “النفط مقابل الغذاء” الذي أشرفت عليه الأمم المتحدة. وماحصل على أرض الواقع هو أن النفط العراقي استمر تسعيره بالدولار، وبيع بالدولار، ثم تم تحويل جزء من الإيرادات إلى يورو، ثم تسليمها للحكومة العراقية آنذاك. وتشير البيانات إلى أن حكومة صدام حققت أرباحا من التحويل بسبب الانخفاض المستمر بالدولار والارتفاع المستمر في اليورو وقتذاك.
والآن، وبعد إعلان الصين عن خطتها لبناء سوق نفطية آجلة لاعلاقة للدولار فيها، ما أثر هذه السياسة الصينية في أسواق النفط وأسعاره؟ وهل سيؤدي ذلك إلى إلغاء هيمنة الدولار وإلغاء تسعير النفط به؟ وما فوائد ومساوئ ذلك بالنسبة للدولة المنتجة؟
قبل الإجابة على هذه الأسئلة، أرجو من القراء الكرام قراءة هذا المقال في الرابط أدناه، لأنه يُعدّ مقدمة أساسية لفهم ما سيأتي بعده.
لماذا تستمر «أوبك» في تسعير النفط بالدولار؟
https://goo.gl/nRx3RS
وفيما يلي ملخص لأثر مخطط الصين لإنشاء سوق نفطية آجلة مقومة باليوان ومدعومة بالذهب:
خامات القياس كلها مُسَعّرَة بالدولار (لمزيد من المعلومات عن خامات القياس راجع الصفحات الأولى من #مفاهيم_نفطية في تويتر https://twitter.com/anasalhajji/status/785096617841926144 ). فخام “غرب تكساس” يستخدم للتسعير في أمريكا الشمالية، وخام “برنت” يستخدم للتسعير في أوروبا، ولكن ليس هناك خام قياس لآسيا، وإنما هناك خامات قياس تتعلق بالمنتجين في الخليج مثل “العربي الخفيف” و”دبي” و”عمان”. لهذا فإنه من المنطقي أن يكون هناك خام قياس آسيوي، خاصة أن الصين الآن هي أكبر مستورد للنفط في العالم من جهة، كما يتوقع أن يكون أكبر نمو لاستهلاك النفط في المستقبل في آسيا خلال العقود القادمة، من جهة أخرى.
أثر المخطط الصيني في أسواق النفط العالمية محدود، إن وجد. النفط سيبقى مُسَعّرا بالدولار، وما سيحصل في أسواق النفط الآجلة في الصين أن سعر النفط سيكون بالدولار مقوّماً باليوان الصيني حسب أسعار الصرف في ذلك الوقت. هذا يؤكد على أن الدولار الأمريكي مازال هو العملة المسيطرة في أسواق النفط.
وفي حالة وجود أي خلاف في التسعير بسبب تذبذب أسعار العملات أو أسعار النفط بين السوق الصينية وغيرها، فإن تجار النفط سيحاولون الاستفادة من الفروق السعرية، حتى تتساوى الأسعار مرة أخرى. هذا يؤكد مرة ثانية على استمرار هيمنة الدولار على تسعير النفط في الأسواق العالمية.
ستظل أغلب الدول المنتجة -أو كلها- تُسعّر نفطها بالدولار، وتستلم إيراداتها بالدولار، حيث قد تنظر للسوق الصينية الجديدة كمؤشر فقط، بدون دخولها فيه، وتستمر ببيع النفط عبر عقود مع كبار المصافي في المنطقة.
فكرة أن وجود سوق نفطية آجلة مقوّمة باليوان الصيني ومدعومة بالذهب هو محاولة للالتفاف على العقوبات الأمريكية -خاصة المفروضة على إيران وروسيا- غير منطقية على الإطلاق. العقوبات الأمريكية تفرض على المصارف والتعاملات المصرفية، بغض النظر عن العملة، وبالتالي فإن خطة الصين لإنشاء سوق نفطية آجلة مقوّمة باليوان ومدعومة بالذهب، لن تؤثر في العقوبات الأمريكية على كل من روسيا وغيرها. المثير في الأمر أن كلا من إيران وروسيا أنشأتا سوقين مستقبليتين لعقود النفط بالعملة المحلية، ومع هذا كان تأثير العقوبات الأمريكية واضحا في كلا البلدين.
من الواضح أن المخطط الصيني سيؤثر في تعزيز قيمة العملة الصينية كعملة عالمية، ولكن ليس في أسواق النفط. ولهذا فوائد، منها إلغاء أو تخفيف تكاليف صرف العملات، خاصة بالنسبة للبلاد المصدرة للنفط التي تصدر للصين وتشتري من الصين.
المشكلة الأساسية هنا هي أن سوقاً نفطية آجلة في الصين تتطلب كمية ضخمة من السيولة، الأمر الذي سيجبر المصرف الصيني المركزي على طبع كميات ضخمة من النقود، خاصة إذا ارتفعت أسعار النفط. وهذا يثير عدة أمور، منها أن زيادة طبع النقود قد تزيد من التضخم، وهذا سيؤثر سلبيا في قيمة العملة الصينية من جهة، وفي صادرات الصين من جهة أخرى. ولعل الأمر الأهم هو قدرة المصرف المركزي الصيني على إدارة التضخم وتباطؤ الصادرات، وكذلك قدرته على إدارة هذه السوق النفطية الضخمة وقت الأزمات الاقتصادية.
أما عن موضوع دعم هذه السوق الآجلة بالذهب، فإنه يثير أسئلة كثيرة، منها: هل سعر الذهب سيكون مقوّماً بالدولار الأمريكي أم باليوان الصيني؟ وإذا ظل الذهب مسعراً بالدولار الأمريكي، أليس هذا يعني ضمنا أن الدولار الأمريكي مازال يسعر النفط في السوق الصينية الجديدة؟ وماذا سيحصل لو ارتفعت أسعار الذهب بشكل مفاجئ وكبير، وقرر تجار النفط بيع العقود الآجلة وقت استحقاقها للحصول على الذهب؟ ألم يحصل هذا في الولايات المتحدة في بداية السبعينيات، الأمر الذي أجبر الحكومة الأمريكية على وقف استبدال الدولار بالذهب؟ بيت القصيد هنا هو أنه إما أن الدعم في النهاية يأتي من الدولار الأمريكي وأن النفط مُسعّر شكليا باليوان الصيني، أو أن الحكومة الصينية ستضطر يوما ما إلى وقف استخدام الذهب لدعم السوق النفطية الآجلة. بغض النظر عما سبق، فإن دعمه بالذهب يعني أن الحكومة الصينية مصممة على إنجاح هذه السوق، ولا يتعدى الأمر ذلك.
أما القول بأن هذا سيرفع أسعار الذهب فهو غير صحيح، خاصة أن الحكومة الصينية ليست بالغباء الذي يجعلها تقدم إعانات مباشرة لتجارة النفط. من ناحية أخرى، ماذا سيفعل تاجر النفط بالذهب؟ سيأخذه ليبيعه، ليستمر في تجارته، لهذا لا يتوقع أن تؤثر هذه السياسة في أسعار الذهب.
أما القول بأن ما تخطط له الصين سيؤثر في أسواق النفط العالمية بسبب ارتباط النفط بالدولار، والسوق الصينية الآجلة باليوان تعني انخفاض دور الدولار، مما يخفض قيمته، وبالتالي يرفع أسعار النفط، فإن القول نفسه متناقض، لأنه إذا كان هناك فعلا علاقة حقيقية ودائمة بين الدولار وأسعار النفط فإنها ستنتقل إلى اليوان إذا سعّر النفط فعلا باليوان. إضافة، فإن العلاقة بين الدولار وأسعار النفط تحكمها عوامل عدة مشروحة في هذا المقال:
العلاقة بين تغير سعر الدولار وأسعار النفط
https://goo.gl/WkHXdu
الدول الوحيدة القادرة على تغيير تسعير النفط من الدولار إلى عملة أخرى هي الدول المنتجة للنفط، وليس الدول المستهلكة. وحسب الوضع الحالي، وحسب المقال في الرابط في نهاية المقدمة أعلاه، فإنه ليس من صالح أوبك استخدام عملة أخرى.
أما بالنسبة للدول المنتجة للنفط فإن وجود نقطة تسعير إضافية في آسيا له منافع ومساوئ. من أهم المنافع أن يؤدي إلى مزيد من الشفافية في السوق، ويعكس حقيقة الطلب على النفط في أرض الواقع. كما أنه يعكس الواقع في المنطقة التي يعول عليها أن تكون الأكثر نموا في الطلب على النفط، بدلا من المناطق التي تعاني من انخفاض أو تباطؤ نمو الطلب على النفط مثل أوروبا. هذا يعني أن تسعير النفط حسب أنواعه المختلفة سيكون أكثر كفاءة من ذي قبل. أما بالنسبة لتسعيره باليوان الصيني، فإن هذا لايعني بالضرورة استلام هذه الدول عائداتها باليوان الصيني لأنها قد لاتدخل هذه السوق المستقبلية إطلاقا. ولكنها ستستفيد من تحسن وضع اليوان وانتقاله إلى مصاف العملات العالمية بسبب التجارة الضخمة بين هذه الدول والصين، خاصة دول الخليج.
إلا أن هناك مساوئ أيضا، أهمها احتمالات تصدير الصين للتضخم إلى الدول النفطية، وزيادة تذبذب أسعار النفط، والتدخل الحكومي الدائم في الأسواق الصينية، وتأثيرها على السوق الجديدة للنفط.
الخلاصة
من المنطقي جدا أن يتم إنشاء سعر قياس للنفط في آسيا، وفي الصين بالذات، لأن لكل المناطق الأخرى في العالم نفطها القياسي . الأمر الإضافي الذي قامت به الصين هو أن هذا السعر مقوّم باليوان الصيني بدلا من الدولار، كما أنه يمكن لتجار النفط الحصول على الذهب بدلا من اليوان عند انتهاء مدة العقود. أثر ماستقوم به الصين في أسواق النفط العالمية محدود جدا، وسيبقى النفط مُسعرا بالدولار، وسيكون سعر النفط في الصين هو نفس السعر بالدولار مقوّما باليوان. في حالة وجود أي فروق سعرية سواء في العملات أو أسعار النفط، فإن التجار سيستفيدون منها لتحقيق أرباح إضافية حتى تختفي هذه الفروق، الأمر الذي يؤكد على أن هذه السوق لن تكون سوق مستقلة عن الدولار وأسعار النفط المقيمة بالدولار.
أما بالنسبة للقول بأن عدم استخدام الدولار لتسعير النفط في هذه السوق هو محاولة للالتفاف على العقوبات الاقتصادية التي تفرضها الولايات المتحدة على الدول المختلفة، خاصة روسيا وإيران، فإنه كلام مردود لأن العقوبات على المصارف وخدماتها، وليس على الدولار، وأيضا على الشركات التي لها فروع في الولايات المتحدة، أو يتم تداول أسهمها في الولايات المتحدة. ويؤكد هذا فشل هذا النوع من الأسواق في إيران وروسيا، وهما أولى في درء العقوبات عنهما من قيام الصين بحماية هاتين الدولتين.
ورغم أن هذه السوق المستقبلية للنفط ستعود بالفائدة على الاقتصاد الصيني لأنها ستعزز من قوته وقوة عملته، إلا أن هذه الخطوة ليست خالية من المخاطر، خاصة بعد فشل أسواق مماثلة في روسيا وإيران. ومن أهم المخاطر التضخم، والذي قد يؤدي إلى انخفاض الصادرات الصنية، وبالتالي انخفاض معدلات النمو الاقتصادي. أما بالنسبة لموضوع الذهب، فإنه ليس من الواضح الآن كيف ستتعامل الحكومة الصينية مع كيفية تسعير الذهب، وعما إذا سيكون التعويض حسب سعر الذهب في يوم انتهاء العقود. ولكن أي تصرف منطقي يعني أن وجود الذهب من عدمه لاقيمة له في هذا الموضوع سوى إظهار أن الحكومة الصينية مصممة على إنجاح هذه السوق. في النهاية، الإجابة على السؤال في العنوان: لا. لايعد ماحصل تهديدا للدولار أو لهيمنة الاقتصاد الأمريكي، وبذلك فإن أسواق النفط لن تتخلص من هيمنة الدولار الأمريكي.
الكاتب طرح تساؤلات منطقية تتعلق بمستقل باسعار النفط وارتباطها بالدولا ..تعليق بسيط العقود الاجلة في اسواق النفط اغلبها بهدف المضاربة ولا يتم فعليا بيع او شراء برميل واحد من النفط لذلك لن يكون هناك تداول فعلي للذهب (سلم واستلم) فقط اعطاء ثقة بالعملة الصينية لتنافس الدولار في سوق التجارة العالمية والصين ثاني أكبر اقتصاد في العالم وقرار الصين بانشاء سوق لتداول النفط وغيرة من السلع سيكون لة تأثير على سعر صرف الدولار ..واصدار سندات مقومة باليوان سوف يعزز هذا التوجة ويخلق سوقا منافسا للاسواق الامريكية..