الريال والدولار -- هذا ما وجدنا عليه آبائنا

11/02/2013 12
أحمد بدركريم

خرجت أوروبا من الحرب العالمية الثانية مُدَمَّرة اقتصادياً وكانت تريد أن تدخل في حالة إعادة إعمار للنهوض مُجدداً على قدميها، إلا أن الدمار الذي مسَّ البشر والشجر والحجر لم يترك مجالاً لها للقيام بذلك، مما دفع الولايات المتحدة في عام 1947م لإقرار مشروع لإعادة إعمار أوروبا والذي عُرف بـ "مشروع مارشال لإعادة إعمار أوروبا"،حيث قامت الولايات المتحدة بموجبه بتقديم ضمانات مالية بقيمة 13 مليار دولار للمساعدة على إعادة نهوض اقتصادات غرب أوروبا تحديداً. لكن، لماذا أُعتبر الدولار عملة رئيسة، ولماذا قامت الكثير من دول العالم آنذاك وفيما بعد بالاعتماد على العملة الخضراء بشكل كامل كعملة احتياطية لها، ولماذا قامت بعض دول العالم ودول الخليج بربط عملاتها المحلية به؟

يعود السبب في اعتبار الدولار عملة احتياطية عالمية ورئيسة في التعاملات التجارية والمالية العالميتين إلى عام 1944م، حيث أنه وبعد انقضاء الحرب العالمية الثانية قام ممثلون لـ44 دولة بالاجتماع في مدين بريتون وودز في الولايات المتحدة للتنسيق والاتفاق على تنظيم العلاقات المالية والتجارية بين الدول، وعُرفت تلك الاتفاقية باسم "اتفاقية بريتون وودز". كان الهدف من الاتفاقية وضع خطط لضمان استقرار النظام المالي العالمي وتشجيع نمو حركة التجارة العالمية. كما أقرَّت الاتفاقية إنشاء كل من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي للإنشاء والتعمير، والأخير يقع في الوقت الحالي تحت مظلة البنك الدولي. إضافة إلى ما سبق، فقد أقرت الاتفاقية ربط عملات الدول بالدولار من أجل ضمان عدم تلاعبها بأسعار عملاتها لدعم صادراتها.

اُختيرت العملة الخضراء العملة الرئيسة في التجارة العالمية نظراً لأن الولايات المتحدة آنذاك كانت من الدول العُظمى القلائل التي كان اقتصادها منتعشاً، كما أنها كانت تتميز بفائض في ميزانها التجاري. إلا أن أهم ما خرجت به الاتفاقية في نظري هو ربط الدولار الأمريكي باحتياطي أو غطاء من الذهب، يُلزَم من خلاله الفيدرالي الأمريكي بتأمين نسبة معينة من الذهب مُقابل ما يُتداول من النقد في السوق وذلك في حال أرادت دولة ما استبدال احتياطاتها من الدولار بما يقابله من الذهب.

كان الهدف من إقرار نسبة التغطية من الذهب هو منع الولايات المتحدة من طباعة وضخ النقود بشكل غير محسوب مما قد يؤدي إلى تخفيض قيمته مقابل العملات الأخرى ودعم صادراتها، ويُعطي ذلك نوعاً من الأمان للدول الأخرى أنه وحتى في حال عجزت الولايات المتحدة عن الوفاء بالتزاماتها فإنهم يمكنهم استرداد ما يقابلها من الذهب. إلا أن دخول الولايات المتحدة في حرب فيتنام في القرن الماضي دفعها إلى ضخ مزيد من النقود لتأمين مصروفاتها الحربية، مما دفع بطبيعة الحال إلى ارتفاع نسب التضخم آنذاك. في عام 1971م ومع احتدام الحرب في فيتنام، انخفضت نسبة تغطية الدولار من الذهب من 55% إلى 22%، دافعاً بذلك بعض الدول لطلب استرداد ما يملكونه من الدولارات بالذهب، فقد استردت فرنسا على سبيل المثال ما يعادل 191 مليون دولار من الذهب، في حين استردت سويسرا ما يعادل 50 مليون دولار.

نتج عن ذلك انخفاض قيمة الدولار أمام العملات الرئيسة الأخرى بشكل كبير مما دفع بالرئيس نيكسون في شهر أغسطس من عام 1971م بالقيام بإلغاء نظام التغطية بالذهب وهو ما عُرف بصدمة نيكسون أو "Nixon Shock".  كان قرار نيكسون يعني بشكل أساسي تعويم الدولار مقابل العملات الأخرى، أي أن سعره سيعتمد على العرض والطلب في سوق العملات العالمية، وأصبح الدولار ما يُعرف بـ "Fiat Money".

تاريخ ربط الريال السعودي بالدولار
بعد عامين من استشهاد الملك فيصل بن عبدالعزيز آل سعود رحمه الله وأسكنه فسيح جناته في عام 1975م، قامت المملكة العربية السعودية بربط عملتها المحلية الريال السعودي بالدولار الأمريكي، وظل سعر الصرف الحالي والبالغ 3.75 ريال/دولار ثابتا منذ عام 1987م.

يَذكر الأستاذ طلعت زكي حافظ في مقاله المنشور في صحيفة الاقتصادية عام 2007م أن من أبرز أسباب قيام الحكومة بتثبيت سعر صرف الريال السعودي مقابل الدولار يعود إلى "أن معظم التدفقات النقدية الداخلة للحكومة السعودية Incoming Cash Flow، والتي مصدرها الرئيسي بطبيعة الحال، الإيرادات المتولدة عن بيع النفط لدول العالم المختلفة، يتم تقييمها وتقديرها بالدولار الأمريكي، كما أن معظم التدفقات النقدية الخارجة Out Going Cash Flow الخاصة بالنفقات العامة للدولة، يتم تقييمها وتقديرها بالدولار الأمريكي، الأمر الذي يساعد الحكومة السعودية ويسهل عليها إدارة تدفقاتها النقدية الداخلة والخارجة Cash Flow Management، ولا سيما في ظل ظروف أسعار نفط عالمية متذبذبة، يصعب التنبؤ باستقرارها وبديمومة ثباتها عند مستوي أو حد سعري معين،وبالتالي فإن ربط الحكومة السعودية لعملتها الريال بالدولار، يمنحها حيزا ومساحة كبيرة من الحرية،المرتبطة بالمحافظة على تحقيق مستوى معين من الإيرادات، بما يخدم مصلحة الاقتصاد السعودي، كما أن ذلك يمكنها من التحكم والسيطرة على حجم وقيمة فاتورة المصروفات العامة للدولة المقومة بعملة الدولار."

التغيرات الاقتصادية
أدى ربط الريال السعودي بالدولار الأمريكي إلى اتّباع مؤسسة النقد العربي السعودي السياسات النقدية الأمريكية، مما يعني أن سياستنا النقدية السعودية في بعض جوانبها سلبية أو "Passive" وليست نشطة أو"Active"، ولا يُقصد بالسلبية أنها سيئة أو غير ناجعة، بل أنه في عالم المال والاستثمار تعني "Passive" التابع أو المُقلّد.

عاشت المملكة العربية السعودية منذ منتصف السبعينات الميلادية من القرن الماضي طفرة كبيرة امتدت حوالي عقداً كاملاً، وساهم ربط الريال بالدولار في تلك الطفرة حيث أنه أمَّن للدولة تقدير إيراداتها ومصروفاتها بشكل كبير نظراً لكون السلعة الرئيسة التي تبيعها وهو النفط مُقوَّمٌ بالدولار، كما أنه ساهم في تشجيع استثمار الشركات العالمية في المملكة. إلا أن الحال تغيَّر منذ التسعينات، فقد عانت المنطقة من حرب الخليج وما ترتب عليها من آثار اقتصادية أنهكت المملكة، وزاد عليها انخفاض سعر النفط في أواخر التسعينات إلى ما دون 10 دولار.

لكن البلاد بدأت تشهد طفرة كبيرة أخرى منذ بداية/منتصف العقد الماضي امتدت ولله الحمد حتى أيامنا هذه. خلال تلك الفترة شهد العالم تحولات اقتصادية كبرى، فالصين على سبيل المثال أزاحت اليابان لتتربع على عرش ثاني أكبر اقتصادات العالم. ولم تكن المملكة بمنأى عن تلك التغيرات حيث أنها أصبحت تُصنَّف من أكبر 20 اقتصاداً على مستوى العالم وأصبحت عضواً في منظمة دول العشرين. أما الولايات المتحدة والتي لازال اقتصادها الأكبر عالمياً شهدت هزَّات كبيرة خلخلت أساساته، إلا أن ذلك لا يعني أبداً أنه لم يشهد ازدهاراً أيضاً.

شهد معدل إجمالي الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي "Debt/GDP" تفاوتا كبيراً منذ السبعينات الميلادية وحتى الآن، فقد ارتفع من 35.6% في عام 1973م إلى 65.4% في عام 1997م وصولاً إلى 99.6% في عام 2011م، وبالنظر إلى قيمة إجمالي الديون فإن ذلك يعني ارتفاعها من 458 مليار دولار في عام 1973م إلى 15 تريليون دولار بنهاية عام 2011. هذا وتعد الصين واليابان أعلى الدول إقراضاً للولايات المتحدة، حيث قام كل منهما بإقراضها 1.1 تريليون دولار و 1.0 تريليون دولار على التوالي، وهذه القروض هي على شكل سندات حكومية تُصدرها الحكومة الأمريكية.

كما قامت وكالة ستاندرد آند بورز في شهر أغسطس من عام 2011م بتخفيض تصنيف الولايات المتحدة بدرجة واحدة من AAA والذي يُعتبر الأعلى على الإطلاق إلى .AA+كل تلك تُعتبر مؤشرات سلبية للواقع الذي يعيشه الاقتصاد الأمريكي هذه الأيام. إلا أنه قد يبرز سؤال يقول: "إذا كان الاقتصاد الأمريكي يعيش واقعاً صعباً، فلمَ انخفضت أسعار الفوائد على السندات الحكومية رغم تخفيض التصنيف الائتماني علماً بأن العلاقة بينهما عكسية، بمعنى أنه كلما انخفض التصنيف (مما يعني زيادة المخاطر) ترتفع أسعار الفوائد على الدول والشركات؟".

في الحقيقة أني لا أملك جواباً على ذلك وقد خالف واقع ما حصل هذه النظرية الاقتصادية، إلا أنه في رأيي وفي الوقت الحالي لا توجد أي دولة تثق فيها كل دول العالم بأنها جديرة بالاقتراض ثقة عمياء سوى الولايات المتحدة، لكني أعتقد في الوقت نفسه أن كثيراً من الدول ستبدأ أو ربما بدأت بالفعل في إيجاد بدائل للسندات الحكومية الأمريكية، كما أن ما تقوم به الحكومة الأمريكية في الواقع هو أنها تقوم بسداد ديونها عن طريق إصدار مزيد من الديون أو عن طريق طباعة مزيد من النقود، مما يعني أنها لا تنتج ما يكفي من السلع والخدمات لتسديد ديونها،وهو الوضع الذي يستحيل استمراره ولابد للعالم أن يفيق من تلك القناعة في يوم من الأيام.

كما أن الاستمرار في طباعة النقود بغير حساب سيرفع من معدلات التضخم في المستقبل، وقد يؤدي إلى فقدان الثقة في العملة مما سيدفع المواطنين وحاملي هذه العملة إلى التخلص منها في أسرع وقت كما حدث في ألمانيا على سبيل المثال في الأربعينات الميلادية من القرن الماضي عندما فقد المارك قيمته حتى أصبح يُستخدم وقوداً للتدفئة بدلاً من الحطب.

في اعتقادي أنه ومع إلغاء نيكسون نظام التغطية بالذهب، فإنه بذلك قد كتب شهادة وفاة الدولار الأمريكي، حيث أنه بذلك منح الضوء الأخضر للفيدرالي الأمريكي بطباعة النقود بقدر ما يريد ودون حساب، مما يعني ببساطة أن الدولار "وباقي العملات في العالم" أصبح لا يساوي إلا قيمة الورق الذي طُبع عليه. منذ عام 2010م قامت الولايات المتحدة بما يُسمى التيسير الكمي أو "Quantitative Easing" لتحفيز اقتصادها، كما قامت أيضاً بما يُسمى "Operation Twist" وهو برنامج يقوم بموجبه الفيدرالي الأمريكي بشراء السندات الحكومية الطويلة الأجل وبيع السندات القصيرة الأجل، وهو ما يعني بشكل بسيط ضخ كميات كبيرة من الأموال في الأسواق.

لكن لماذا تقوم الولايات المتحدة بضخ كل هذه الأموال في الأسواق؟. الجواب هو أنها تهدف إلى تخفيض أسعار الفائدة على الإقراض نظراً لأن غالبية الشعب الأمريكي يعتمد في استهلاكه على الاقتراض وذلك من خلال البطاقات الائتمانية والقروض المُقدَّمة من البنوك والرهون العقارية، أضف إلى ذلك أن الاقتصاد الأمريكي يعتمد بشكل كبير على الاستهلاك حيث أنه يُشكل حوالي ثُلثي الاقتصاد. كل تلك الخطوات التي يقوم بها الفيدرالي "إذا ما استمرت" ستدفع بالتضخم في اعتقادي إلى الارتفاع وبشكل متسارع في فترة من الفترات وهو ما يُسمى بـ "Hyperinflation". إن جميع الإجراءات الأمريكية السابقة تدفع بانخفاض قيمة الدولار مما يتسبب في المقابل بارتفاع أسعار السلع كالذهب والنفط لتعويض ذلك الانخفاض.

كَثُر النقاش في الفترة السابقة في الولايات المتحدة والعالم عن الهاوية المالية أو ما يُعرف بـ "Fiscal Cliff" وهو ما يعني ارتفاع العوائد الضريبية للحكومة الأمريكية بشكل تلقائي بما يُقدر 399 مليار دولار وانخفاض الإنفاق الحكومي بما يعادل 103 مليار دولار. لا أعلم في الواقع ما الذي دفع الحكومة الأمريكية لتفادي هذه الهاوية، فهي وإن كانت تنفق ما لا تملك وأكثر مما تجني، فلابد لها من فترة من الفترات أن تُخفّض من هذا الإنفاق لفترة ما لتعيد التوازن إلى ميزانيتها واقتصادها، فمن وجهة نظري أن الحكومة الأمريكية بتفاديها للهاوية المالية هي كالمريض بمرض عضال "عافى الله جميع مرضى المسلمين" الذي يأبى أن يخضع لعلاج سيرهقه لفترة ما مقابل أن يعيش ما تبقى من حياته سليماً معافى "بإذن الله" ويستعيض عنه بتناول مسكّنات الآلام التجارية لتخفيف آلام مرضه الذي سيتسبب في النهاية بوفاته. إن كان سقوط الولايات المتحدة في الهاوية سيضر باقتصاداتنا المحلية، فهو ثمن ارتباط عملتنا بالدولار وعلينا القبول به.

أثر ربط الريال بالدولار
كما ذكرت سابقاً، فإنه نتج عن ربط الريال السعودي بالدولار الأمريكي اتّبَاع المملكة لسياسة نقدية سلبية في بعض جوانبها حيث تقوم باتخاذ إجراءات تطابق بعض الإجراءات التي تتخذها الولايات المتحدة تحديداً فيما يتعلق بأسعار الفائدة، فإن قامت الولايات المتحدة فرضاً برفع الفائدة إلى 1% تقوم المملكة بنفس الإجراء ولنفس النسبة وذلك للحد من المضاربات في سوق العملات العالمية على الريال السعودي. لكن هذا لا يعني عدم امتلاك المملكة ممثلة بمؤسسة النقد العربي السعودي أدوات نقدية أخرى تستطيع من خلالها التحكم في السياسة النقدية المحلية، فعلى سبيل المثال لا الحصر يُعد الاحتياطي الإلزامي للبنوك أحد هذه الأدوات.

شهد العالم أزمة مالية في شهر سبتمبر من عام 2008 ضربته من أقصاه إلى أقصاه أدت إلى حدوث شلل تام في أسواق الائتمان العالمية، قام نتيجتها الاحتياطي الفيدرالي بتخفيض سعر الفائدة وصولاً إلى ما بين 0% و 0.25% وذلك لتحفيز البنوك التجارية على الإقراض، مما أدى بطبيعة الحال إلى تخفيض مؤسسة النقد لسعر الفائدة إلى 0.25%. إلا أن البَلدَان كانا يعيشان واقعا مختلفاً، فيكفي أن نقول أن نسبة التضخم في المملكة في عامي 2008 و 2009 كانت قد بلغت 9.1% و 5.1% على التوالي، بينما كانت في الولايات المتحدة 3.8% و -0.4% على التوالي، كما أن الحكومة السعودية قامت بضخ المزيد من الأموال وذلك عن طريق بناء العديد من مشاريع البنى التحتية خاصة وذلك لضمان استمرارية نمو الاقتصاد السعودي، مما تسبب في ارتفاع معدلات التضخم.

ظلت سوق الأسهم السعودية ترتفع بشكل مستمر تقريباً منذ عام 2004م، وقد دخل في تلك الفترة العديد من المتعاملين آملين في تحقيق حلمهم بالثراء السريع، نجح البعض في تحقيق حلمه إلا أن أكثرهم كما طار وقع.

شهدت السوق المالية السعودية في شهر فبراير من عام 2006م انهياراً عنيفاً خسر بموجبه العديد من المتعاملين رؤوس أموالهم بل وحتى كل ما يملكونه من نقد وعقار وخلافه. أدى ذلك الانهيار إلى بحث المستثمرين عن قنوات أخرى للاستثمار غير السوق المالية، ونظراً لقلة قنوات الاستثمار في المملكة فلم يكن أمام العديد منهم إلا الاستثمار في السوق العقارية رغم أن سعر الفائدة الرسمية آنذاك كان 4.7%، إلا أنه وبطبيعة مجتمعنا المُتديّن فإن البعض يتحسسون ويأبون إيداع أموالهم في البنوك كودائع.

تدفقت الأموال على السوق العقارية مما أدى إلى ارتفاعها بشكل كبير، فحسب بيانات مصلحة الإحصاءات العامة والمعلومات ارتفع مؤشر قطاع الترميم والإيجار والوقود والمياه بين عامي 2003م و 2006م بنسبة 1% بينما ارتفع بين عامي 2006م و 2011م بنسبة 71%. ذلك لا يعني بالضرورة ارتفاع أسعار العقارات بتلك النسبة بالتحديد، إلا أنه يعطي مؤشراً على حجم ارتفاعه. أما فيما يخص قطاع الأطعمة والمشروبات، فقد ارتفع بين عامي 2003م و 2006م بنسبة 12%، بينما ارتفع بين عامي 2006م و 2011م بنسبة 39%. تُبيّن المعلومات السابقة حدة الارتفاعات التي شهدها هذان القطاعان بعد عام 2006م باعتبارهما أكثر القطاعات التي تمس حياة المواطن بشكل رئيس.

 الخاتمة
بما أن النسبة الكبرى من التضخم هي مستوردة، ونظراً لعدم جدوى أدوات السياسة النقدية السعودية المُستخدمة في مجابهة هذه التضخمات، فأعتقد أنه على مؤسسة النقد العربي السعودي التفكير جدياً برفع سعر الريال السعودي أمام الدولار من مستواه الحالي والبالغ 3.75. لست اقتصادياً لمعرفة سعر الصرف العادل للريال مقابل الدولار، لكني قرأت تحليلات لبعض المحللين يقترحون أسعاراً تتراوح بين 3.50 ريال و 3.25 ريال. إلا أنه لا يبدو أن التفكير في إعادة تقييم سعر الريال مقابل الدولار أو حتى إلغاء الربط به (رغم أنني لا أؤيد إلغاء الربط) سيحدث في السنوات المُقبلة، حيث أنه وفي عام 2011 قال وزير الاقتصاد والتخطيط الحالي د. محمد الجاسر "والذي كان حينها محافظاً لمؤسسة النقد العربي السعودي" إن المملكة قد تُعيد النظر في ربط عملتها بالدولار في حال أصبح النفط يمثل 10% أو 15% من الاقتصاد وأصبح الاقتصاد السعودي يعتمد على الزراعة والصناعة والخدمات، مما يعني من وجهة نظري أنه من المستحيل على المدى المنظور حتى مجرد التفكير في إعادة التقييم على أقل تقدير، حيث أن الكثير من خطط التنمية الخمسية المُقرَّة سابقاً أقرَّت تنويع مصادر الإيرادات للدولة، إلا أننا وحتى وقتنا الحالي مازلنا معتمدين بشكل كبير على النفط.

إن رفع سعر الريال سيساهم بشكل كبير في التخفيض من حدة التضخم في المملكة حيث أننا جربنا في السنوات الماضية الكثير من الطرق لمكافحة التضخم لكن دون جدوى. إلا أني أعلم وأُقدّر أن آثار هذه الزيادة ستنعكس في المقام الأول على استثمارات الجهات الحكومية كمؤسسة النقد والتأمينات الاجتماعية وصندوق الاستمارات العامة والمؤسسة العامة للتقاعد حيث أن قيمة هذه الاستثمارات ستنخفض عند تحويلها إلى الريال بنفس قيمة الزيادة، كما سيؤدي ذلك إلى انخفاض إيرادات الدولة بالريال، وأخيراً سيرفع ذلك أسعار صادراتنا من المنتجات البتروكيماوية والصناعية وخلافها.

أعلم أنه يُعدُّ حلٌّ بطعم مُر، ولكني أرى ضرورة اتخاذ خطوة ما لتخفيف حدة انخفاض قوة الريال الشرائية والتي تؤثر في نهاية الأمر على المواطن، لذلك فإن قراراً كهذا لابد التفكير فيه من الناحيتين الاقتصادية والسياسية. في السابق رُبطت العملات بالدولار الأمريكي لوجود غطاء من الذهب، أما الآن فانتفى ذلك السبب، ولذلك ففي اعتقادي أننا الآن في مرحلة "هذا ما وجدنا عليه آبائنا".