ملامح الاقتصاد القطري مع نهاية عام 2012

20/01/2013 0
بشير يوسف الكحلوت

نستكمل اليوم ما بدأناه في الأسبوع الماضي من مراجعة لأوضاع البورصة القطرية  في عام 2012، وما طرأ عليها من تحولات خلال الإثني عشر شهراً الماضية، في محاولة لإستشراف ما سيكون عليه الحال في عام 2013.  وقد عرضت في المقال السابق لأحجام التداول وذكرت أنها قد انخفضت إلى أدنى مستوى لها منذ عام 2004، نتيجة ما استجد من ظروف وما تم اتخاذه من قرارات وتعديلات أضرت بظروف التعامل في البورصة. ومن الطبيعي أن  يؤدي تقلص حجم التداول اليومي إلى جملة من التأثيرات السلبية على أداء شركات الوساطة، وعلى أسعار الأسهم والمؤشرات. وقد أشرت سابقا إلى موضوع شركات الوساطة،، وأنتقل الآن إلى رصد التغير في حركة المؤشر العام وأسعار أسهم الشركات المدرجة في البورصة.

ولو تتبعنا  التغيرات التي  لحقت بالمؤشر خلال السنوات الماضية سنجد  أنها في عام 2012  كانت الأسوأ  منذ عام 2008، حيث انخفض المؤشر العام بما نسبته 4.79% بعد ثلاثة ارتفاعات متتالية؛ إثنان منها بنسبة 1% فقط في عامي 2009 و 2011، والثالث بنسبة 24.75% في عام 2010.  ولو نظرنا إلى تطور المؤشر من منظور زمني أوسع قياساً لما اتبعناه عند دراسة تطور أحجام التداول -أي منذ نهاية عام 2004 حتى نهاية عام 2012- فإننا سنجد أنه قد ارتفع  في ثمان سنوات من 6493.6 نقطة في نهاية عام 2004 إلى 8355 نقطة في نهاية عام 2012، أي بمعدل سنوي 3.6% فقط. وهذه النسبة المحدودة  تنسجم مع النمو الحقيقي لناتج القطاعات غير النفطية.  ولكن وبسبب القفزات التي حققها ناتج قطاع النفط والغاز فإن الاقتصاد القطري  ككل قد سجل في  نفس الفترة معدلات نمو قوية، حيث تضاعف الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الجارية 5 مرات في 8 سنوات أي بنسبة تزيد عن 63% سنوياً، وهو ما يجعل نمو المؤشر بنسبة 3.6% في تلك الفترة لا يعكس حالة الاقتصاد.

وقد تفاوت أداء  المؤشر العام ما بين سنة وأخرى؛ حيث ارتفع بنسبة 64.5% في عام 2004، ثم بنسبة 122% في عام 2005 ليصل إلى أعلى مستوى إقفال سنوي له؛ أي إلى 11053 نقطة. ومنذ عام 2006، والمؤشر  يتذبذب انخفاضا  وصعوداً، ولكنه لم يتمكن أبداً من استعادة قمته إلا لفترة محدودة في النصف الأول من عام 2008،  وظل في السنوات الأخيرة يتحرك ضمن هامش محدود تراوح ما بين 7000-9000 نقطة.

ويعود جزء من جمود التغير في المؤشر العام إلى تركيبته التي بُني عليها، حيث أنه يتكون من أسعار سلة من الأسهم الرئيسيىة لعشرين شركة هي الأهم  بينها من حيث وزنها النسبي المبني على حجم رأسمال كل منها من ناحية، وعلى الأسهم النشطة منها أو الأكثر تداولاً في البورصة من ناحية أخرى. ورغم أن تركيبة المؤشر تخضع للمراجعة كل 6 شهور من جانب إدارة البورصة، حيث يتم استبعاد أسهم شركات وإضافة أسهم شركات أخرى وفقاً لما يطرأ على المعيارين المشار إليهما من تغير، إلا أن ذلك لم يُفلح في إخراج المؤشر من حالة الجمود التي دار فيها منذ عدة سنوات. وهذه الحالة هي نتيجة مباشرة لتغير الظروف المحيطة بالتداولات في البورصة والتي أدت إلى ضعف مزمن في أحجام التداول، وذلك بدوره  شكل انعكاساً لحالة من عدم الثقة بين المتعاملين وخاصة المحليين والقطريين منهم على وجه الخصوص.

وفي ظل حالة الجمود المشار إليها، فإن ذلك لم يمنع بالطبع من تحرك أسعار أسهم بعض الشركات بصورة منفردة إما لنتائجها وتوزيعاتها الجيدة كما في  شركة وقود، أو نتيجة عمليات مضاربة على السهم كما في دلالة والطبية  أو للسببين معاً كما في مواشي والميرة. لكن أسهماً قيادية مثل  الوطني  وصناعات والتجاري والمصرف وبنك الدوحة وقطر للتأمين والدولي وكيوتيل وغيرها ظلت تتحرك ضمن هامش محدود  صعوداً وهبوطاً وهو ما أكسب المؤشر ذات الحركة المحدودة.

وإذا كانت هذه هي الملامح العامة لحركة المؤشر  العام والأسعار في عام 2012، فما هي التوقعات لعام 2013 ؟ للإجابة على هذا السؤال  أعود لما أشرت إليه في المقال السابق وما قبله  في هذه السلسلة من توقع تباطؤ النمو الاقتصادي في العام الحالي، وبافتراض بقاء الظروف المحيطة والمقيدة لحركة التداولات في البورصة ومنها: التشريعات المنظمة للتداول، وتعليمات المركزي للبنوك، وإصدار المزيد من أذونات الخزانة، وإجراء اكتتابات جديدة لزيادات رؤوس أموال بعض الشركات، إضافة إلى عدم حدوث نمو حقيقي في أرباح الشركات وتوزيعاتها،،،،، فإن من المنطقي أن يستمر التراجع في أحجام التداولات إلى مستويات أقل، ومن ثم يستمر الجمود في نمط حركة أسعار الأسهم والمؤشر بوجه عام، مع عودة النشاط للمضاربة على أسهم بعض الشركات وخاصة ذات الأسعار المحدودة منها.

ولكن إذا تحركت الجهات المسؤولة لاتخاذ بعض الإجراءات الكفيلة بتغيير الظروف المحيطة بالتداولات، وبما يعمل على جذب اهتمام المستثمرين المحليين، وتعزيز ثقتهم في الاستثمار في الأسهم القطرية، وحدوث تحسن في أداء الشركات المساهمة، وقدرتها على تحقيق أرباح حقيقية قابلة للتوزيع على المساهمين، فإنه يمكن تصور انعتاق المؤشر من حلقته المفرغة، وتحرك الأسعار على نحو ملموس.

ولقد تبين من النتائج التي تم الإعلان عنها في الأسبوع  الماضي حدوث تراجع في توزيعات الشركات عن المتوقع، وهو ما قد يرجح حدوث السيناريو الأول أعلاه بالنسبة للمؤشر والأسعار والأحجام، بما يستدعي التدخل المشار إليه في السيناريو الثاني. ونواصل بإذن الله في مقال قادم تقييم وضع البورصة في عام 2012 من حيث أداء الشركات وتوزيعاتها السنوية.