في الحلقة الثالثة من سلسلة المقالات المخصصة لمراجعة أوضاع الاقتصاد القطري في عام 2012، أتناول اليوم موضوع بورصة قطر وما طرأ عليها من تحولات خلال الإثني عشر شهراً الماضية، في محاولة لإستشراف ما سيكون عليه الحال في عام 2013. وقد يستلزم الأمر عدة مقالات لتغطية ما طرأ على البورصة من تبدلات في عام 2012، حيث أن عناصر الصورة لا تكتمل إلا إذا تضمنت وصفاً لحركة الأسعار والمؤشرات من ناحية، وأحجام التداول والاكتتابات من ناحية ثانية، وأداء الشركات والتوزيعات من ناحية ثالثة. وأبدأ اليوم بالحديث عن أحجام التداولات وما يتصل بهذا الموضوع من تأثير على أداء شركات الوساطة. الجدير بالذكر أن إجمالي حجم التداول كان في حال نمو واضطراد منذ عام 2004، وبلغ ذروته في عام 2008 عندما وصل الإجمالي إلى 175.6 مليار ريال بمتوسط شهري 14.6 مليار ريال، ومتوسط يومي 663 مليون ريال. وكان لهذا النمو أسبابه المنطقية،في تلك الفترة ومنها نمو الاقتصاد بوتيرة متصاعدة، وتزايد عدد الشركات المكتتب فيها، والمدرجة بالسوق سنة بعد أخرى إلى أن بلغ العدد 44 شركة. كما أن الأرباح المجزية التي جناها المكتتبون والمستثمرون قد جذبت أعداداً كبيرة من المتعاملين إلى السوق، وكانت الظروف المحيطة مساعدة ومنها السماح للبنوك بتمويل الإتجار في الأسهم بالهامش، واستثمار البنوك في الأسهم، والسماح بوجود وكلاء للتداول لغير المختصين أو غير المتفرغين.
وقد تبدل هذا الحال بعد عام 2008 نتيجة الأزمة المالية العالمية وما ترتب عليها من انعكاسات وتداعيات غيرت الظروف المحيطة بالكامل. فقد تراجع إجمالي التداول إلى 92.2 مليار ريال في عام 2009، ثم إلى 67.2 مليار ريال في عام 2010، واستقر الإجمالي عند هذا المستوى الأخير في العام 2011بدون تغير يُذكر، ثم انخفض إلى 58 مليار ريال في عام 2012- وذلك بعد استبعاد صفقات أزدان الخاصة التي تمت في العامين 2011 و2012 لاعتبارات تنظيمية بحتة تتعلق بأزدان-. وبوصول حجم التداول إلى هذا المستوى المنخفض الذي يُعتبر الأدنى تقريباً منذ عام 2004، فإن معدل التداول اليومي في البورصة قد هبط إلى مستوى 216 مليون ريال في المتوسط، أي إلى ثُلث ما كان عليه في عام 2008.
وهذا التراجع المستمر في أحجام التداول لم يأت من فراغ، وإنما هو نتيجة لتداعيات الأزمة العالمية من ناحية، وما نشأ عنها من تبدل في الظروف المحيطة بالتداول من جهة أخرى. وكان أن تسببت هذه التغيرات في خلق حالة من عدم الثقة بين المتعاملين دفعت البعض منهم إلى تجميد محفظة الأسهم لديه وتحويلها إلى استثمارات طويلة الأجل خوفاً مما قد تجلبه المضاربات قصيرة الأجل من خسائر في القيمة، كما اتجه البعض الآخر أو المحافظ إلى البحث عن فرص استثمار بديلة في أسواق أجنبية، أو في سوق الاستثمار العقاري المحلي. كما الاكتتابات التي تمت في زيادة رؤوس أموال أربع شركات هي كيوتيل والإجارة ومجمع المناعي والبنك الأهلي قد امتصت نحو 8.5 مليار ريال من السيولة المتاحة للتداولات في البورصة. وبوجه عام كان هناك سحب للسيولة الفائضة من الجهاز المصرفي عن طريق الإصدار الشهري لأذونات الخزينة من جانب مصرف قطر المركزي.
ورغم الجهود التي بذلتها إدارة البورصة في السنوات الثلاثة الأخيرة لتطوير آليات التداول وجعلها تتم وفقاً لأحدث التقنيات المتاحة في العالم، ورغم أن عملية التطوير قد جعلت بالإمكان إجراء عمليات التداول عن بُعد من أي مكان، إلا أن هذه الجهود لم تُفلح في جذب استثمارات جديدة للبورصة، وبقيت أحجام التداول في تراجع على نحو ما أشرنا إليه أعلاه.
وكان من الطبيعي أن يؤثر التراجع سلباً على أداء شركات الوساطة، فتراجعت مداخيلها من نشاطها الرئيسي الذي هو نشاط الوساطة في الأسهم المحلية، وبات الكثير منها لا يُغطي مصروفاته الجارية. ومع عودة بعض البنوك المحلية وهي الوطني والتجاري والأهلي والريان إلى مماسة نشاط الوساطة ثانية منذ منتصف العام 2011، فإن الأمور قد إزدادت سوءاً لشركات الوساطة التقليدية. واضطرت هذذه الشركات إلى ممارسة أنشطة استثمارية كالاستثمار العقاري، في محاولة لتفادي الخسائر.
وإذا ما انتقلنا إلى محاولة استشراف ما سيحدث لأحجام التداول في العام 2013، فإننا سنجد أن هناك عدة سيناريوهات لاستقراء الأحجام المتوقعة ، فعلى ضوء توقعاتنا في المقال السابق بأن يستمر تباطؤ النمو الاقتصادي في العام الجديد، وبافتراض أن الظروف المحيطة ستبقى كما هي بدون تغير يُذكر ومنها: التشريعات المنظمة للتداول في البورصة، وتعليمات المركزي للبنوك، وإصدار المصرف المركزي للمزيد من أذونات الخزانة، وإجراء اكتتابات جديدة لزيادات رؤوس أموال بعض الشركات؛ تحدد منها حالياً اكتتاب الميرة بنسبة 100 بالمائة، واكتتاب بنك الدوحة في وقت لاحق من الربع الأول، على ضوء هذه الافتراضات، فإن من غير المستبعد أن يستمر التراجع في أحجام التداولات إلى مستويات أقل بحيث ينخفض المعدل اليومي في عام 2013 إلى ما دون المائتي مليون ريال يومياً، مع انخفاض المعدل في كثير من الأيام إلى أقل من مائة مليون ريال.
وقد يحدث بعض التحسن في الأحجام إذا ما تحركت الجهات المسؤولة إلى اتخاذ بعض الإجراءات الكفيلة بتغيير الظروف المحيطة بالتداولات، وبما يعمل على جذب اهتمام المستثمرين المحليين، وتعزيز ثقتهم في الاستثمار في الأسهم القطرية، وفي أداء الشركات المساهمة، وقدرتها على تحقيق أرباح حقيقية قابلة للتوزيع على المساهمين. وسيكون موسم الإفصاح عن النتائج والتوزيعات الذي يبدأ هذا الأسبوع ويستمر لأكثر من شهر، فرصة سانحة للمستثمرين للتعرف على الفرص المتاحة وإمكانيات العودة للتداولات من جديد. ونواصل بإذن الله في حلقة رابعة تقييم وضع البورصة في عام 2012 من جوانب أخرى، مع استشراف مستقبلها المحتمل في عام 2013، ضمن المراجعة السنوية لأوضاع الاقتصاد القطري.
ابق على اطلاع بآخر المستجدات.. تابعنا على تويتر
تابِع