ملامح الاقتصاد القطري مع نهاية عام 2012 2- الاقتصاد القطري إلى مرحلة النمو المعتدل

05/01/2013 0
بشير يوسف الكحلوت

في الحلقة الثانية من سلسلة المقالات المخصصة لمراجعة أوضاع الاقتصاد القطري في عام 2012 واستشراف ملامحه في العام 2013، أتناول موضوع الناتج المحلي الإجمالي الذي يقيس حجم الاقتصاد في فترة معينة، ويحدد بالتالي ما إذا كان  الاقتصاد قد نما بشكل متسارع أو معتدل عن الفترة السابقة، أم أنه قد تباطأ في نموه، أو دخل في مرحلة ركود أو حتى كساد إذا كان الناتج في حالة تراجع. ولقد شهد الاقتصاد القطري منذ العام 2004 سنوات متصلة من النمو المتسارع –باستثناء العام 2009- نتيجة تضافر عدة عوامل من بينها تنفيذ المشروعات الضخمة لإسالة الغاز والمشروعات الصناعية، ومشروعات البنية التحتية، إضافة إلى ارتفاع أسعار النفط ومشتقاته. وقد شارفت هذه المرحلة على الإنتهاء في عام 2012، وانتقل الاقتصاد القطري إلى مرحلة من النمو المعتدل الذي يتناسب مع معطيات المرحلة. وكان جهاز الإحصاء قد أصدر مؤخراً بيانات الناتج المحلي الإجمالي لفترة الربع الثالث من العام 2012 وتبين منها أن الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الجارية قد نما بنسبة 5.9% عن الفترة المناظرة من العام 2011، ليصل إلى مستوى 175.3 مليار ريال،ومحققاً في الوقت ذاته نمواً بمعدل 3.9% فقط إذا ما قيس الإنتاج بالأسعار الثابتة. ولكي ندرك أبعاد التحول في معدلات النمو نشير إلى أن معدل النمو بالأسعار الجارية قد بلغت نسبته في عام 2011 نحو 36.1%، وأن النسبة في فصول تلك السنة قد بلغت على الترتيب من الأول إلى الرابع: 27.7%، 42.9%، و 40.1%، و 33.9%. 

وانخفض المعدل في الربع الأول من العام 2012 إلى 24.3%، ثم انخفض  إلى 11.9% في الربع الثاني، وإلى 5.9% في الربع الثالث. وبافتراض أن اتجاه التباطؤ في النمو قد استمر في الربع الرابع من العام 2012، فإن الناتج المحلي الإجمالي لدولة قطر بالأسعار الجارية سيكون قد وصل إلى مستوى 700 مليار ريال، مسجلاً بذلك نمواً نسبته 11% عن عام 2011، مقارنة بمعدل 36.1% في السنة السابقة. وفي حين يُعزى الإعتدال في النمو إلى تراجع معدل نمو إنتاج قطاع النفط والغاز في العام 2012، فإن معدل نمو القطاعات الأخرى قدشهدت استقراراً في النصف الأول من العام وارتفاعاً بنسبة 14% في الربع الثالث. ونتيجة لهذه التغيرات فإن نسبة مساهمة ناتج قطاع النفط والغاز في الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الجارية قد انخفضت في الشهور التسعة الأولى من العام 2012 إلى 55.1% مقارنة بما نسبته 58.1% في الفترة المناظرة من العام 2011، ومن المتوقع أن تحقق المساهمة مزيداً من التراجع في السنوات القادمة لصالح ارتفاع مساهمات القطاعات غير النفطية والغازية.

وقد كان من اللافت للإنتباه أن الزيادة في نواتج القطاعات الأخرى في عام 2012 قد تحققت نتيجة النمو في بعض القطاعات المهمة وفي مقدمتها الصناعات التحويلية، وقطاع المال والعقارات، وقطاع الخدمات الحكومية، وقطاع التشييد والبناء.وبالارتفاع المتوقع في الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الجارية إلى 700 مليار ربال لعام 2012، ومع الأخذ بعين الاعتبار أن عدد السكان في قطر قد بلغ نحو 1.84 مليون نسمة في نهاية السنة -مع كونه قد تحرك حول هذا الرقم في شهور السنة- فإن متوسط دخل الفرد في قطر قد ارتفع بذلك إلى مستوى 104 ألف دولار مقارنة بـ 75 ألف دولار في عام 2011 و 61 ألف دولار في عام 2010. وبهذا المستوى أصبح متوسط دخل الفرد في قطر من أعلى المعدلات في العالم دون أن يصاحب ذلك زيادة تذكر في معدل التضخم كما كان يحدث في سنوات الطفرة .وبالنسبة للعام 2013، نجد أن الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الجارية سينمو بمعدل إسمي يتراوح ما بين 4- 5%، مع ملاحظة أن معظم النمو سيتحقق في القطاعات غير النفطية والغازية.

وبالنظر إلى أن عدد السكان سينمو بنفس المعدل تقريبا في عام 2013ً، لذا فإن متوسط دخل الفرد سيظل غالباً عند مستواه المتحقق في عام 2012 بدون تغير يذكر، أي عند مستوى 104 ألف دولار في السنة. وبالأسعار الثابتة  سينمو الناتج المحلي الإجمالي في عام 2013 بنسبة نمو حقيقية تقل عن 3%. وسواء كان النمو إسمياً أم حقيقياً فإن المعدلات المتوقعة للعام 2013 ستكون ضمن ما يعتبر معدلات معتدلة ومعقولة، ويمكن العمل على استدامتها في الأجل المتوسط. الجدير بالذكر أن التوقعات الخاصة بناتج الأسعار الجارية مبنية على أساس عدم حدوث زيادات في أسعار النفط، مع احتمال تراجع هذه الأسعار بسبب حالة التباطؤ في الاقتصاد العالمي، كما أنها مبنية على استقرار معدلات إنتاج النفط والغاز ومشتقاتهما بحيث تظل الكميات عندمستوياتها المتحققة في العام 2012.  وفيما يتعلق بنواتج القطاعات الأخرى، فإنها ستنمو بدرجة أقل في عام 2013، حيث سيختفي تأثير الزيادة في رواتب القطريين بنسبة 60% على ناتج قطاع الخدمات الحكومية للعام الجديد بعد أن ظهر في العام السابق. وسيؤدي النمو المحدود في عدد السكان إلى تباطؤ نمو نواتج قطاعات التجارة والمطاعم والفنادق، والنقل والاتصالات، والكهرباء والماء.

وسيكون النمو في قطاع التشييد والبناء محدوداً طالما لم يبدأ العمل  فعلياً في المشروعات الجديدة المرتبطة بالمونديال،مع انتهاء تنفيذ مشروع المطار الجديد، واستمرار وجود فائض في الوحدات السكنية. وقد تضطر البنوك إلى تخفيف تشددها في منح القروض والتسهيلات للقطاع الخاص لتفادي انخفاض مداخيلها في العام 2013،خاصة وأن المصرف المركزي قد يتوقف عن إصدار المزيد من أذونات الخزانة التي شكلت في العامين السابقين فرصاً استمارية للسيولة المتاحة لدى البنوك.  ونواصل بإذنه تعالى في الأسابيع القادمة الحديث عن ملامح  الاقتصاد القطري في عام 2012، وتوقعات عام 2013، حيث نعرض لجوانب أخرى مثل وضع البورصة، والقطاع المصرفي، والموازنة العامة للدولة، والاستثمارات الخارجية والدين العام، وميزان المدفوعات.